الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر إيجاب النية في الطهارات والاغتسال والوضوء والتيمم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأعمال بالنية" .

                                                                                                                                                                              345 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله، أنا يزيد بن هارون، أنا يحيى بن سعيد، أن محمد بن إبراهيم أخبره ، أنه سمع علقمة بن وقاص، يقول: سمعت عمر وهو على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" . [ ص: 11 ]

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم فيمن توضأ وهو لا ينوي بوضوئه الطهارة، فقالت طائفة: لا يجزئه، كذلك قال الشافعي، وربيعة، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وليس بين الوضوء والتيمم عندهم في ذلك فرق، وفرقت طائفة بين الوضوء والتيمم، فقالت: يجزئ الوضوء بغير نية، ولا يجزئ التيمم إلا بنية، هذا قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، قال الثوري: إذا علمت رجلا التيمم، فلا يجزئك أن تصلي بذلك التيمم إلا أن تكون نويت أنك تتيمم لنفسك، فإذا علمته الوضوء أجزأك.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: حكي عن الأوزاعي أنه قال في الرجل يعلم الرجل التيمم، وهو لا ينوي أنه يتيمم لنفسه: إنما علمه، ثم حضرت الصلاة قال: يصلي على تيممه، كما أنه لو توضأ وهو لا ينوي الصلاة كان طاهرا، هذه حكاية أبي المغيرة عنه، وبه قال الحسن بن صالح.

                                                                                                                                                                              وحكى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي أنه قال: لا يجزئه في التيمم، ويجزئه في الوضوء. [ ص: 12 ]

                                                                                                                                                                              وحكى الوليد مثله عن مالك، والثوري. قال أبو بكر: أما حكايته عن الثوري فكما حكى، لموافقته حكاية الأشجعي، والعدني، وعبد الرزاق، والفاريابي عنه، وأما ما حكاه عن مالك، فما رواه أصحاب مالك عنه: ابن وهب، وابن القاسم أصح، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: دل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" لما عم جميع الأعمال، ولم يخص منها شيئا أن ذلك في الفرائض والنوافل، ثم بين تصرف الإرادات، فقال: "من كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله، فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"، فغير جائز أن يكون مؤديا إلى الله ما فرض عليه، من دخل الماء، يعلم آخر السباحة بدرهم أخذه، أو مريدا للتبرد والتلذذ غير مريد لتأدية فرض؛ لأنه لم يرد الله قط بعمله، قال الله تعالى: ( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ) قال قائل: إن من قصد درهما أو دينارا يأخذه؛ ليعلم آخر السباحة لا يقصد غير ذلك، مؤديا فرضا لله تعالى عليه في الطهارة، مخالف كتاب الله وسنة رسوله، مع أن المناقضة لا تفارقه، حيث أوجب النية في التيمم وأبطلها في الوضوء، والخبر الذي به يوجب النية في التيمم، هو الذي أوجب النية في الوضوء، والصلاة، والزكاة، والحج، [ ص: 13 ] والصوم، وسائر الأعمال، وقد ذكرت باقي الحجج في هذا الباب في غير هذا الكتاب.

                                                                                                                                                                              مسألة:

                                                                                                                                                                              وإذا توضأ ينوي طهارة من حدث، أو طهارة لصلاة فريضة، أو نافلة، أو قراءة، أو صلاة على جنازة، فله أن يصلي به المكتوبة في قول الشافعي، وأبي عبيد ، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم من أصحابنا. وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية