الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في المسح على العمامة

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المسح على العمامة، فأجازت طائفة المسح على العمامة، وممن فعل ذلك أبو بكر الصديق، وعمر، وأنس، وأبو أمامة.

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة .

                                                                                                                                                                              491 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب نا يعلى، أنا محمد بن [ ص: 121 ] إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عسيلة قال: رأيت أبا بكر يمسح على الخمار.

                                                                                                                                                                              492 - حدثنا إسماعيل بن قتيبة، نا أبو بكر، نا ابن مهدي، عن سفيان، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، عن نباتة قال: سألت عمر عن المسح على العمامة فقال: "إن شئت فامسح عليها، وإن شئت فلا" .

                                                                                                                                                                              493 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا يحيى بن سعيد، عن عمران بن مسلم، عن سويد قال: قال عمر: "إن شئت فامسح على العمامة، وإن شئت فانزعها" .

                                                                                                                                                                              494 - حدثنا سهل بن عمار، نا يزيد بن هارون، أنا عاصم قال: رأيت أنسا توضأ ومسح على عمامته وخفيه، وصلى بنا صلاة الفريضة.

                                                                                                                                                                              495 - حدثنا يحيى بن محمد، نا مسدد، نا بشر بن المفضل، نا [ ص: 122 ] سعيد بن أبي عروبة، عن الأشعث بن أسلم، عن أبيه، أنه رأى أبا موسى خرج من موضع ذكره، يمسح على الخفين والقلنسوة.

                                                                                                                                                                              496 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا ابن نمير، عن سفيان، عن سماك، عن الحسن، عن أمه عن أم سلمة أنها كانت تمسح على الخمار.

                                                                                                                                                                              497 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، نا حجاج، نا حماد، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، أنه كان يمسح على الخفين والعمامة .

                                                                                                                                                                              وبه قال الأوزاعي ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال أحمد: المسح على العمامة من خمس وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واحتجت هذه الفرقة بالأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبفعل أبي بكر وعمر، قالت: ولو لم يثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، لوجب القول فيه ، لقول النبي عليه السلام: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".

                                                                                                                                                                              ولقوله: "إن يطع الناس: أبا بكر وعمر، فقد رشدوا". ولقوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي" . [ ص: 123 ]

                                                                                                                                                                              قالت: ولا يجوز أن يجهل مثل هؤلاء فرض مسح الرأس، وهو مذكور في كتاب الله تعالى، فلولا بيان النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك، وإجازته، ما تركوا ظاهر الكتاب والسنة، قالوا: وليس في اعتلال من اعتل بأن النبي صلى الله عليه وسلم حسر العمامة عن رأسه، ومسح رأسه دفعا لما قلنا؛ لأن المسح على العمامة ليس بفرض لا يجزئ غيره، ولكن المتطهر بالخيار إن شاء مسح برأسه، وإن شاء على عمامته، كالماسح على الخفين، المتطهر إن شاء غسل رجليه، وإن شاء مسح على خفيه، وليس في إنكار من أنكر المسح على العمامة حجة؛ لأن أحدا لا يحيط بجميع السنن، ولعل الذي أنكر ذلك لو علم بالسنة لرجع إليها، بل غير جائز أن يظن بمسلم ليس من أهل العلم غير ذلك. فكيف ممن كان من أهل العلم، ولا يجوز أن يظن بالقوم غير ذلك، وكما لم يضر إنكار من أنكر المسح على الخفين، ولم يوهن تخلف من تخلف عن القول بذلك إذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، كذلك لا يوهن تخلف من تخلف عن القول بإباحة المسح على العمامة .

                                                                                                                                                                              وأنكرت طائفة المسح على العمامة، وروي عن علي أنه حسر العمامة، فمسح على رأسه، وقال جابر أمس الماء الشعر، وكان ابن عمر لا يمسح على العمامة.

                                                                                                                                                                              498 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا وكيع، عن ربيع بن مسلم، عن أبي لبيد قال: رأيت عليا بال ثم توضأ فحسر العمامة، فمسح برأسه ثم مسح على خفيه [ ص: 124 ]

                                                                                                                                                                              499 - حدثنا علي بن الحسن، نا يحيى بن يحيى، نا إسماعيل بن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلت لجابر: المسح على العمامة قال: أمس الماء الشعر.

                                                                                                                                                                              500 - حدثنا إسماعيل، نا يحيى، عن سفيان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان لا يمسح على العمامة .

                                                                                                                                                                              وبه قال عروة، والنخعي، والشعبي، والقاسم، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في مسح المرأة على خمارها، فقالت طائفة: لا تمسح المرأة على خمارها، ولكنها تمسح برأسها، هذا قول نافع مولى ابن عمر، وإبراهيم.

                                                                                                                                                                              وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء: تدخل يدها من تحت [ ص: 125 ] الخمار، فتمسح مقدم رأسها، وهكذا روي عن أم علقمة مولاة عائشة أنها فعلت ذلك، وهو قول حماد بن أبي سليمان، ومالك، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، والشافعي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: في المرأة تمسح على خمارها، روي عن أم سلمة، أنها كانت تمسح على الخمار، وروي ذلك عن الحسن.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن أنس أنه مسح على قلنسوته، ولسنا نعلم أحدا قال به (503) من حديث إسحاق، عن جرير، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيد الله بن ضرار، عن أنس .

                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، والنعمان، وإسحاق، وكل من نحفظ عنه من أهل العلم لا يرون ذلك.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فإن مسح على عمامته ثم نزعها، ففي قول الأوزاعي: مسح على رأسه، وقال أحمد: يعيد الوضوء، وقياس قول من [ ص: 126 ] يقول إذا خلع خفيه فهو على طهارته، كذلك من نزع عمامته، على طهارته، وقال مكحول: المسح على الخف والعمامة سواء، إذا مسح عليهما ثم نزعهما بعد، أن عليه الوضوء .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية