الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر جماع المسافر الذي لا يجد الماء وأهل البادية الذين ليس معهم ماء

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في غشيان من لا ماء معه من المسافرين وغيرهم، فكرهت طائفة لمن هذه صفته أن يجامع، وممن روينا عنه أنه كره ذلك: علي، وابن مسعود، وابن عمر.

                                                                                                                                                                              وبه قال الزهري، وقال مالك: لا أحب له أن يصيب أهله، إلا ومعه ماء.

                                                                                                                                                                              513 - حدثنا علي، نا حجاج، نا حماد، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، وميسرة، عن علي قال: إذا كان المسافر سائرا يرد الماء كل يوم وكل يومين وثلاثة، فلا يغشى أهله حتى يرد الماء.

                                                                                                                                                                              514 - حدثنا إبراهيم بن منقذ، نا المقري، نا حيوة، نا أبو صخر، أن رجلا أخبره أن عكرمة مولى ابن عباس ، أنه سمع ابن عباس، يقول: إذا أعزب الأعرابي عن الماء، فلا ينبغي له أن يجامع.

                                                                                                                                                                              515 - أخبرنا علي بن الحسن، نا عبد الله، عن سفيان، عن محمد بن عجلان، عن أبي العوام قال: جاء رجل، فسأل ابن عمر، فقال: إني أعزب في إبلي، أفأجامع إذا لم أجد الماء، قال ابن عمر: أما أنا فلم أكن لأفعل ذلك، فإن فعلت ذلك فاتق الله، واغتسل إذا وجدت الماء [ ص: 136 ]

                                                                                                                                                                              516 - أخبرنا محمد بن علي، نا سعيد، نا عتاب بن بشير، أنا خصيف، عن أبي عبيدة، عن أبيه قال: لا ينبغي لرجل أن يأتي أهله، وهو لا يجد الماء.

                                                                                                                                                                              أباحت له طائفة غشيان أهله، وإن لم يكن معه ماء، فقالت: يتيمم ويصلي، روي هذا عن ابن عباس ، وبه قال جابر بن زيد، والحسن، وقتادة . وهو قول سفيان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وقال: قد فعله ابن عباس ، وقال في مكان آخر يتوقاه أحب إلي، إلا أن يخاف. قال إسحاق: هو سنة مسنونة من النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر، وعمار، وفعله ابن عباس .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يطؤها واحتجوا بقوله تعالى: ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) .

                                                                                                                                                                              517 - حدثونا عن إسحاق بن راهويه، أنا المعتمر، سمعت ليثا يحدث عن عطاء، عن ابن عباس في الرجل يكون معه أهله في السفر، وليس معهم ماء، فلم ير بأسا أن يغشى أهله ويتيمم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبهذا القول نقول؛ لأن الله تعالى أباح وطء الزوجة [ ص: 137 ] وملك اليمين، فما أباح فهو على الإباحة، لا يجوز حظر ذلك، ولا المنع منه إلا بسنة أو إجماع، والممنوع منه حال الحيض والإحرام والصيام، وحال المظاهر قبل أن يكفر، وما وقع تحريم الوطء منه بحجة، فأما كل مختلف فيه في ذلك، فمردود إلى أصل إباحة الكتاب الوطء، قال تعالى: ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) وقد جعل التيمم طهارة لمن لا يجد الماء، ولا فرق بين من صلى بوضوء عند وجود الماء، وبين من صلى بتيمم حيث لا يجد الماء؛ إذ كل مؤد ما فرض عليه وفي المسألة قول ثالث قاله عطاء، قال في المسافر لا يجد الماء: إن كان بينه وبين الماء أربع ليال فصاعدا فليصب أهله، وإن كان بينه وبينه ثلاث ليال فما دونها لم يصب أهله.

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : إن كان في السفر فلا يقربها حتى يأتي الماء، وإن كان معزبا فلا بأس أن يصيبها وإن لم يكن عنده ماء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: والأخبار التي ذكرناها في باب إثبات التيمم للجنب المسافر الذي لا يجد الماء دالة على صحة ما قلنا، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى بعينه حديثا.

                                                                                                                                                                              518 - حدثنا نصر بن زكريا، نا محمد بن الصباح، نا معتمر بن سليمان، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرجل يعزب ولا يقدر على الماء، أيجامع أهله؟ قال: نعم [ ص: 138 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية