الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر تيمم الجنب إذا خشي على نفسه البرد

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الجنب يخشى على نفسه من البرد إن اغتسل، فقالت طائفة: يغتسل، وإن مات، لم يجعل الله له عذرا، هذا قول عطاء، واحتج بقوله: ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) ، وهو قول الحسن.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو إذا كان الأغلب عنده في البرد الشديد أن يتلف إن اغتسل، تيمم وصلى، ويعيد كل صلاة صلاها، هذا قول الشافعي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن يتيمم، كذلك قال سفيان، ومالك. وكان سفيان يقول: أجمعوا أن الرجل إذا كان في أرض باردة، فأجنب فخشي على نفسه الموت تيمم، وهو بمنزلة المريض.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في الرجل الصحيح في المصر تصيبه الجنابة، فخاف إن اغتسل أن يقتله البرد: تيمم، وكذلك في السفر، وهذا قول أبي حنيفة.

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب: أما أنا فأرى أن يجزئه ذلك في السفر، ولا يجزئه إذا كان مقيما في المصر، وهذا قول محمد.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقول يعقوب ومحمد قول رابع. وبقول مالك وسفيان أقول؛ وذلك لحجج ثلاث: أحدها الكتاب، وهو قوله: ( ولا تقتلوا أنفسكم ) الآية، والثانية: خبر عمرو [ ص: 146 ]

                                                                                                                                                                              525 - حدثنا أحمد بن داود، نا حرملة، عن ابن وهب، نا عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس أن عمرو بن العاص، كان على سرية، قال: احتلمت في ليلة باردة، وذاك في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك جنبا؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول: ( ولا تقتلوا أنفسكم ) الآية، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا.

                                                                                                                                                                              وفي ترك إنكاره عليه السلام ما فعل عمرو عليه أكبر الحجج، ولو كان ذلك غير جائز لعلمه وأمره بالإعادة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يسر إلا بالحق.

                                                                                                                                                                              وحجة ثالثة: وهو أنهم قد أجمعوا على أن من كان في سفر ومعه من الماء ما يغتسل به من الجنابة، وهو خائف على نفسه العطش إن اغتسل بالماء، أن يتيمم ولا إعادة عليه، ولا يعرض نفسه للتلف ولا فرق بين [ ص: 147 ] الخائف على نفسه من الحر، والعطش، والخائف على نفسه من البرد، في أن كل واحد منهما خائف على نفسه أن يهلك من البرد إن اغتسل بالماء.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية