الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر صلاة من لا يجد ماء ولا صعيدا

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيمن حضرت الصلاة، وهو لا يجد ماء ولا صعيدا، فقالت طائفة: لا يصلي حتى يقدر على الوضوء أو التيمم وإن ذهب الوقت؛ لأن الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة، هذا قول الثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن يصلي كما قدر عليه، ويعيد كل صلاة صلاها بغير وضوء وتيمم هذا قول الشافعي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله أبو ثور فيها قولان: أحدهما كقول الثوري ، والقول الثاني أن الصلاة تؤدى بآلات لا يجزئ من وجد ثوبا أن يصلي إلا مستترا، ولا يجزئ من قدر على القيام أن يصلي قاعدا وكذلك لا يجزئ من قدر على الماء أن يصلي إلا متوضئ فإن لم يقدر تيمم، فإن لم يجد المصلي ثوبا، ولم يقدر على القيام، ولا على الطهارة صلى كما يقدر عليه، ولا إعادة على أحد منهم.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ويشبه أن يكون من حجة من قال: لا يصلي حتى يجد الماء أو التراب أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا معنى لأن يصلي من لا يجد ماء يتطهر به ولعل من حجة من قال: يجزئه أن يصلي إذا لم يجد السبيل إلى الطهارة قوله تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقوله [ ص: 164 ] ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فيقول: سقط فرض الطهارة عمن لا يجد السبيل إليها كما سقط فرض القيام عن المريض وفرض الثوب عن العاري، ونظير هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة امرأة تحيض إلا بخمار، ويجزيها عندهم إذا لم تجد ثوبا أن تصلي عريانة، فدل على أن المأمور بالطهارة والاستتار من وجد السبيل إليه.

                                                                                                                                                                              وأما قول الشافعي فيشبه أن يكون أمره بالصلاة احتياطا ويكون فرضه الذي يؤديه إذا وجد إلى الطهارة سبيلا مع أني قد أنكرت في حديث:

                                                                                                                                                                              531 - حدثته، عن إسحاق، أخبرنا عبدة بن سليمان، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت هلكت قلادة لأسماء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالا، فحضرت الصلاة فلم يجدوا ماء ولم يكونوا على وضوء فصلوا بغير وضوء، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: إن كان هذا محفوظا، قوله: صلوا بغير وضوء، فقد حفظه عبدة فإني لم أجده من غير حديثه، [ ص: 165 ] ففيه كالدليل على أن لا إعادة على من صلى في الوقت الذي لا يجد ماء ولا ترابا بغير طهارة ؛ لأن فرض أولئك قبل نزول آية التيمم كان الوضوء بالماء، فإذا كانوا صلوا في تلك الحال بغير طهور، ولم يؤمروا بالإعادة، كان كذلك من كان في مثل حالهم وقد أعوزه ما يتطهر به فصلى، فلا إعادة عليه، هذا إذا كان الحرف الذي في حديث عبدة محفوظا.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية