الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر عدد مسح الرأس

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في عدد مسح الرأس فقالت طائفة: يمسح برأسه مرة، هذا قول ابن عمر.

                                                                                                                                                                              385 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري ، عن عبد ربه، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يمسح برأسه مرة.

                                                                                                                                                                              386 - حدثنا إسحاق، نا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن عامر، قال: "رأيت عليا توضأ ثم أخذ كفا من ماء، فوضعه على رأسه، فرأيته ينحدر على نواحي رأسه كله" . [ ص: 41 ]

                                                                                                                                                                              وبه قال طلحة بن مصرف، والحكم، والنخعي، وحماد، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسالم، والحسن، ومجاهد، وأحمد، وأبو ثور.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: يجزئ مسح مرة، ويستحب أن يمسح ثلاثا.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يمسح برأسه مرة واحدة، وأذنيه.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن سيرين أنه مسح برأسه مسحتين. وفيه قول ثالث: وهو أن يمسح برأسه ثلاثا، روي هذا القول عن أنس.

                                                                                                                                                                              387 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا يزيد بن هارون، عن أبي العلاء، عن قتادة، عن أنس، أنه كان يمسح برأسه ثلاثا.

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء، وسعيد بن جبير، وزاذان، وميسرة.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح برأسه مرتين، وروي عنه غير ذلك، والثابت عنه أنه مسح برأسه، لم يذكر أكثر من مرة واحدة.

                                                                                                                                                                              388 - حدثنا محمد بن إسماعيل، نا يحيى بن أبي بكير، نا زائدة، نا خالد بن علقمة، عن عبد خير، قال: صلى علي الفجر، ثم دخل الرحبة، فدعا بوضوء.. فذكر الحديث، قال: ومسح رأسه بيديه مرة، ثم قال: [ ص: 42 ] رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا. وفي هذا الحديث ذكر مسح الرأس باليدين جميعا، والذي أحب أن يمسح المرء رأسه باليدين جميعا، فإن مسحه بيد واحدة فلا إعادة عليه، والمسح باليدين أحب إلي؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه بيديه جميعا .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن مسح رأسه بيده أو بإصبعه، أو بما أشبه ذلك.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: يجزئ المسح بأصبع واحدة، هكذا قال الثوري، وحكي عن ابن المبارك أنه قال: لا بأس بالمسح بأصبعين.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: يجزئ المسح بأصبع أو بعض أصبع، وقال الثوري: لو لم تصب المرأة إلا شعرة واحدة أجزأها.

                                                                                                                                                                              وقال أحمد: يجزي المرأة أن تمسح بمقدم رأسها، وقال إسحاق: إن اقتصرت على ذلك، رجوت أن يجزئها.

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي: يجزئ مسح مقدم رأسك، وقال الحسن: يجزئ [ ص: 43 ] من مسح الرأس مسح بعضه، وقال النخعي: أي رأسك أمسست الماء أجزأك، ومسح ابن عمر رأسه اليافوخ فقط.

                                                                                                                                                                              389 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع "أن ابن عمر كان يدخل يده في الوضوء، فيمسح بها مسحة واحدة اليافوخ فقط" .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: قاله مالك، فيمن يمسح مقدم رأسه، قال: يعيد الصلاة، أرأيت لو غسل بعض وجهه أو ذراعيه أو رجليه؟

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فظاهر تشبيهه مسح بعض الرأس بغسل بعض الوجه يدل على أن لا يجزئ إلا مسح جميع الرأس .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا القول يوافق حديث الربيع، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح الرأس كله.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو إن مسح رأسه بثلاث أصابع، فصاعدا أجزأه، وإن مسحه بأقل من ثلاث أصابع أصبع أو أصبعين لم يجزئه، هذا قول أصحاب الرأي. [ ص: 44 ]

                                                                                                                                                                              وقد حكى عن زفر أنه قال: إن مسح رأسه بأصبع أو أصبعين، فمسح قدر ثلث رأسه أو ربعه، أن ذلك يجزئه، وحكي عن النعمان، وأبي يوسف، وزفر أنهم قالوا: لا يجزئه أقل من ثلث رأسه، فإن مسح أقل لم يجزئه.

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: قاله محمد بن مسلمة قال: ومن مسح بعض رأسه وترك بعضا، نظرنا فإن كان خفيفا، أو كان ما مسح أكثره، قال: ونحن نرى الخفيف الثلث، أو شبيها به، أجزأ عنه؛ لأن المسح لا يستوعب الرأس، فإن كان الذي مسح خفيفا أقل مما ذكرنا، فكأنه لم يمسح برأسه، فليمسح رأسه وليعد صلاته، إن كان صلى.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ليس يجوز في هذا الباب إلا واحد من قولين، إما أن يجب مسح جميع الرأس، أو يجزئ ما وقع عليه اسم مسح، قل ذلك، أو كثر، فأما تحديد من حدد بالثلث أو الربع أو ثلاث أصابع، فغير جائز قبول هذا، إلا ممن فرض الله طاعته.

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعض من يرى أن مسح بعض الرأس يجزئ أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وأجمعوا على أن المسح على الخف كله غير واجب، وجائز في اللغة أن يقال للرجل: مسح بالكعبة، وهو يريد بعض الكعبة، ويقال لمن مسح بعض رأس يتيم: هو ماسح رأس يتيم، كذلك يقال لمن مسح بعض رأسه: أنه مسح برأسه. ولا يجزئ في قول [ ص: 45 ] الشافعي، وأصحاب الرأي المسح على الشعر الساقط عن الرأس على المنكبين وأسفل من ذلك.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية