الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر المستحب من الغسل أو المسح

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الغسل، والمسح أي ذلك أفضل، فقالت طائفة: الغسل أفضل؛ لأنه المفروض في كتاب الله - تعالى - ، والمسح رخصة، فالغاسل لرجليه مؤد لما افترض الله عليه، والماسح على خفيه فاعل لما أبيح له، روينا عن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا على أخفافهم، وخلع هو خفيه وتوضأ، وقال: إنما خلعت؛ لأنه حبب إلي الطهور، وكان أبو أيوب يأمر بالمسح على الخفين ويغسل قدميه، ويقول: حبب إلي الوضوء، [ ص: 90 ] وروينا عن ابن عمر أنه قال: إني لمولع بغسل قدمي، فلا تقتدوا بي.

                                                                                                                                                                              462 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح، نا محمد بن بشار، نا جعفر بن محمد قال: نا شعبة قال: سمعت جبر بن حبيب، عن أم كلثوم ابنة أبي بكر، أن عمر، نزل بواد يقال له: وادي العقارب، فأمرهم أن يمسحوا، وذكر ما تقدم.

                                                                                                                                                                              463 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا هشيم، أنا منصور، عن ابن سيرين، عن أفلح، مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، أنه كان يأمر بالمسح على الخفين، ويغسل قدميه، فقيل له: كيف تأمرنا بالمسح وأنت تغسل؟ قال: بئس مالي إن كان مهيأه لكم ومأثمه علي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، ويأمر به، ولكن حبب إلي الوضوء.

                                                                                                                                                                              464 - حدثنا محمد، نا سعيد، نا سفيان، عن صدقة بن يسار قال: سمعت ابن عمر، يقول: إني لمولع بغسل قدمي فلا تقتدوا بي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: المسح على الخفين أفضل من غسل الرجلين، وذلك أنها من السنن الثابتة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد طعن فيها طوائف من أهل البدع، فكان إحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من إماتته.

                                                                                                                                                                              واحتج بعضهم بالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب أن تقبل رخصه" . [ ص: 91 ]

                                                                                                                                                                              وتقول عائشة: ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما.

                                                                                                                                                                              وممن رأى أن المسح على الخفين أفضل من غسله الرجلين: ،الشعبي والحكم، وأحمد، وإسحاق، وكان ابن أبي ليلى، والنعمان يقولان: إنا لنريد الوضوء فنلبس الخفين حتى نمسح عليهما، وروينا عن النخعي أنه قال: من رغب عن المسح على الخفين، فقد رغب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد شبه بعض أهل العلم من لبس خفيه على طهارة ثم أحدث بالحانث في يمينه قال: فلما كان الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء أطعم، وإن شاء كسا ويكون مؤديا للفرض الذي عليه، فكذلك الذي [ ص: 92 ] أحدث، وقد لبس خفيه على طهارة إن مسح أو خلع خفيه، فغسل رجليه، مؤد ما فرض عليه، مخير في ذلك، ولا يجوز لمن أحدث ولا خف عليه إلا غسل الرجلين.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية