الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
573 - 36 حدثني عبد الله بن سلم ، حدثنا محمد بن أحمد الحسني ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن العلاء ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : حدثني عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى ، قال : " ثم إن الله تعالى خلق سبع سماوات وسبع أرضين ، فقال : كن ، فأول ما خلق من الجنان دار السلام ، وهي مائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، طول كل درجة مسيرة خمسمائة عام ، وبين كل درجة ودرجة ما بين السماء والأرض معلقة برياح الرحمة لا علائق من فوقها فتمسكها ، ولا دعائم من تحتها فتحبسها ، قصورها وقبابها وحليها ، وإستبرقها ، وأسرتها ، وكل ما فيها من فضة ، قوارير ، قوارير في بياض الفضة في نقاء الزجاجة في شعاع الشمس يبين داخلها من خارجها كما يرى الشراب في الزجاجة الصافية ، صحون قصورها خمسمائة عام في خمسمائة عام ، فيها [ ص: 1059 ] أربعة أنهار ، نهر من ماء آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، ولهم فيها من كل الثمار يقعد ساكن هذه الدار على كثبان المسك والكافور ، يقوم على رأس كل ولي منهم عشرة آلاف وصيف ، وعشرة آلاف وصيفة ولدان مخلدون ، فذلك قول الله عز وجل : ( والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) ، فالهداية من الله تبارك وتعالى ، والدعوة على لسان الرسل ، ثم قال عز وجل : كن فكون دار الحيوان وهي مائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ما بين كل درجة كما بين السماء والأرض معلقة برياح الرحمة لا علائق [ ص: 1060 ] من فوقها ، فتمسكها ولا دعائم من تحتها ، فتمسكها وأساس دار الحيوان مع شرف دار السلام ، وقصورها ، وقبابها ، وحليها ، وأسرتها ، وألوانها ، وكل ما فيها من ذهب صحون قصورها ألف عام في ألف عام فيها جنتان مدهامتان بساتين بين كل بستان ألف عام فيها فاكهة ونخل ورمان ، كوبة لؤلؤ ، وكوبة زمرد ، وكوبة در ، وكوبة ياقوت هكذا إلى رأس النخلة فيها عينان تجريان فيهما من كل فاكهة زوجان ، وفيهما من كل خيرات حسان يقعدون على الزرابي ، وهي البسط يقوم على رأس كل واحد منهم عشرون ألف وصيف وعشرون ألف وصيفة ولدان مخلدون قدرا واحدا ، فذلك قول الله عز وجل : ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب ) ، لو قعد على كل صحفة أهل الأرض لوسعتهم " . ثم قال : " كن فكون دار القرار ، وهي مائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ومائة درجة هكذا بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض معلقة برياح الرحمة لا علائق من فوقها ، فتمسكها ولا دعائم من تحتها فتحبسها ، وأساس دار القرار مع شرف دار الحيوان قصورها ، وقبابها وحللها ، وأسرتها ، وألوانها ، وصحافها ، وكل ما فيها طرائق طرائق : طريقة در أحمر [ ص: 1061 ] ، وطريقة زبرجد أخضر ، وطريقة زمرد أخضر ، يحلون فيها سوارا من ذهب ، وسوارا من لؤلؤ صحون قصورها ألف عام من ألفي عام ، فيها ماء مسكوب معلق بقدرة الجبار تعالى بلا أخدود كأنهار الدنيا فيها عينان تجريان بالكافور ، وعين تجري بالزنجبيل فيها مائة قبة من در ، ومائة قبة من ياقوت ومائة قبة من زمرد ، ومائة قبة من لؤلؤ طول كل قبة ألف عام لها أربعة آلاف مصراع مثل الذي فوق وعرض كل قبة أربعة فراسخ ، لكل قبة أربعة آلاف مصراع من الدر يقول الله تعالى لها : انفتحي فتنفتح ، ويقال لها : انغلقي فتنغلق في القبة سرر : على كل سرير سبعون فراشا بين كل فراشين [ ص: 1062 ] نهر يجري ، على الفراش حوراء قاصرة الطرف على رأسها وصيف خير من الدنيا ، وما فيها لو بزقت في البحر لعذب سبعة أبحر من بزقها ، لا تبزق ، ولا تمخط ، ولا تغوط ، ولا تبول ، ولا تحيض كما ذكر الله عز وجل : ( فيها أزواج مطهرة ) قد طهرت من جميع الآفات ، لو بدا معصمها لامتلأت دار الدنيا نورا ، فيها مائة عمود من در ، ومائة عمود هكذا من لؤلؤ ، ومائة عمود هكذا من زمرد ، ومائة عمود هكذا من ياقوت ، ومائة عمود هكذا من زبرجد طول كل عمود ألف عام على رأس كل عمود ظلة طولها مائة فرسخ يزيد نور وجهها ، وحسنها على لون وجه الحوراء سبعين ضعفا هذا العجائز الشمط الرمص الذين كانوا في الدنيا فذلك قول الله [ ص: 1063 ] عز وجل : ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ) ، يعني الظلال فيها سرر موضونة ، وسرر مرمولة كوكب ذهب ، وكوكب در ، وكوكب زمرد ، وكوكب ياقوت ، يكون طول كل سرير خمسمائة عام عند رأس كل سرير عينان عين تنضخ المسك ، وعين تنضخ العنبر يقعدون سكان هذه الدار على النمارق ، ويقوم على رأس كل واحد منهم ثلاثون ألف وصيف وثلاثون ألف وصيفة ولدان مخلدون ، لا يعلم كيف هي إلا خالقها ، ثم قال : كن فكون [ ص: 1064 ] جنة النعيم ، وأساس جنة النعيم مع شرف جنة الفردوس ، وهي مائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا ، ومائة درجة هكذا يقوم على رأس كل ولي منهم ثلاثون ألف وصيف ووصيفة ولدان مخلدون قدرا واحدا " . ثم قال : " كن فكون جنة المأوى مع شرف جنة النعيم ، وهي مائة درجة هكذا ، ومائة هكذا ومائة هكذا ، ومائة هكذا بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض ، وعندها سدرة المنتهى ينبع من ساقها نهر النبي صلى الله عليه وسلم ، وما من غرفة ، ولا أريكة في جنة من الجنان ، إلا وغصن من أغصان سدرة المنتهى عليها فيها ألف عمود من در هكذا وألف عمود من زمرد هكذا ، وألف عمود من لؤلؤ هكذا ، وألف عمود من ياقوت هكذا طول [ ص: 1065 ] كل عمود مائة ألف عام على كل عمود سبعون ألف غرفة ، وفوق هؤلاء عليون " .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة يرون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء ، وفوق هذه غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار ، كلما اشتاق ولي الله النظر إلى الله تعالى اطلع من بعض الكوى فرآه ، فذلك قول الله عز وجل : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) ، فيها مائة ألف قنديل طول كل قنديل ألف عام ، [ ص: 1066 ] تأوي إليه أرواح الشهداء معلقة تحت العرش ، وإن الله تعالى خلق ما شاء لمن شاء كيف شاء ، فخلق الله جنة عدن ، وفيها نهر الكوثر ، وفيها شجرة طوبى غرسها الله بيده وأربعة أشياء تولى الله تعالى خلقها بيده ، [ ص: 1067 ] شجرة طوبى غرسها الله تعالى بيده وخلق آدم عليه السلام بيده وجنة عدن خلقها بيده وكتب التوراة لموسى عليه السلام بيده ، وجنة عدن ، مثل مخ البيض أصفر ، وأحمر ، ومورد ، وغير ذلك يرى صبغها من ألف عام ، ثم قال لها : جنتي تكلمي ، فقالت : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون ) ، فهي والله دار لا تقوم بالأثمان ، ولا يغيرها ريب الزمان ، ولا يذهب بها الحدثان ملاطها [ ص: 1068 ] المسك رضراضها الدر والمرجان ترابها ، الورس ، والزعفران سقفها عرش الرحمن ، وخدمها الولدان كلما اشتاقوا رأوا الرحمن تعالى " .


التالي السابق


الخدمات العلمية