الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1036 - 35 حدثنا إسحاق بن إبراهيم البزاز ، حدثنا إسماعيل بن يزيد ، [ ص: 1568 ] حدثنا أبو يحيى غالب بن فرقد ، حدثنا أبو عبد الرحمن ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما نفخ الله تعالى في آدم - عليه السلام - الروح ، وأمر الملائكة بالسجود له ، أخرج ذريته من ظهره ، فأفاضهم إفاضة القداح كالذر بين يديه مستنطقين ناطقين بالربوبية أنه ربهم ، كل يدعوه يا رب ، يا رب ، ثم خلق منه زوجته حواء ، فأسكنهما الجنة ، ولم يكن في الجنة شيء أحسن منهما ، وكانت حواء أحسن من آدم ، وعلى آدم - عليه السلام - تاج مشرج باللؤلؤ ، منظوم بالزمرد ، والياقوت ، وعلى حواء نقارس الزبرجد ، والحلي ، فأصل التاج للرجال من آدم ، والنقارس والحلي للنساء من حواء ، وكان لباسهما الظفر عليه شعاع نور كشعاع الشمس ، فحسدهما إبليس - لعنه [ ص: 1569 ] الله تعالى - ، واحتال لهما ، فلما انقضى القدر أمره ، تهيأ لحواء في جوف الحية ، فأراها أنه يأكل من الشجرة التي نهى الله عز وجل عنها آدم ، وحواء ، فقالت حواء : إن هذه لمعصية ، فلم تأكل منها يا إبليس ؟ فقال لها إبليس : ليس في الجنة أطيب منها ، وآكلها مخلد ، وإنما منعكما ربكما لطيبها ، وخلودها ، فقاسمهما لئن أكلت لتخلدن ، وإني لكما لمن الناصحين ، فأكلت ، ثم أتت آدم ، فقالت له : كل ، فقد أكلت ، فقال : معاذ الله ربي أن أعصيه ، فلم تزل تراوده ، والحية حتى أخذت ثلاث حبات ، فأكلها ، وأتبعتها حواء بسبع ، فصارت عشر حبات ، فلما ألقاها في فيه ناداه الله تعالى : يا آدم ، فأتبع التلبية ثلاثا : لبيك لبيك لبيك ، وألقى السبع من فيه ، ثم نكس رأسه ، فقال الله تعالى : يا آدم ، ارفع رأسك ، فقال : أستحي منك لعصياني يا رب ، فقال : ألم أخلقك بيدي ؟ قال : بلى يا رب ، قال : ألم أقل لملائكتي تسجد لك ؟ قال : بلى يا رب ، قال : ألم تكن جاري في بحبوحة جنتي ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فما حملك على معصيتي ؟ قال : حواء سولت لي يا رب ، قال : اخرج من جواري ، فبي حلفت لا يجاورني من عصاني ، فأمر جبرئيل - عليه السلام - بإخراجه ، ونزع كرامته منهما ، فجاء جبرئيل - عليه السلام - ، وهو مكب على وجهه ، فقال : يا آدم ، ارفع رأسك ، وانزع كرامة الرحمن ، واخرج من جواره ، فذهب يرفع رأسه ، فتعلق بشجرة ، فقال : العفو العفو ، يا أهل العفو ، وهو أول من قالها ، ثم وضع جبرئيل عنه التاج ، ونزع منه كرامة الرحمن تبارك وتعالى ، فتعرى هو وحواء بعد نزع جبرئيل كرامة الرحمن تبارك وتعالى منهما ، وطفقا [ ص: 1570 ] يخصفان عليهما من ورق الجنة ، فحفزهما سبعون ألف ملك بالحراب من غير طعن عن الجنة ، فهبط آدم - عليه السلام - في ساحل الهند ، وهبطت حواء في ساحل مكة ، فوقعا يبكيان ، وينوحان ، وأصل البكاء ، والنوح منهما لما نابهما يسمع بعضهما بعضا ، وتبكي الملائكة لبكائهما ، وتحزن لحزنهما ، والجنة تدنو اشتياقا إليهما ، فقال الله عز وجل بعد أربعين يوما : " يا آدم ، هل أتى عليك حين من الدهر لم تكن شيئا مذكورا ؟ " ، قال : صدقت يا رب ، قال : " خلقتك ، وأمرتك ، فعصيت أمري ، وضيعت وصيتي ، ونسيت عهدي ، فمن عصاني من ولدك ، فلا يستنكرن نعمتي ، فوعزتي ، لو ملأت الأرض رجالا كلهم مثلك يسبحون بحمدي الليل والنهار لا يفترون ، ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين ، إلا أن تداركهم رحمتي ، إني قد رحمت بكاءك ، سمعت نداءك ، وأنا الرب حقا أقبل توبة التائبين ، وأرحم تضرع المتضرعين ، ففزع آدم - عليه السلام - إلى كلمة الإخلاص ، فقال : لا إله إلا أنت ، سبحانك ، وبحمدك رب إني عملت سوءا ، وظلمت نفسي ، فاغفر لي ، وتب علي ، إنك أنت الغفور الرحيم ، لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك إني عملت سوءا ، وظلمت نفسي ، فارحمني ، وتب علي إنك أنت أرحم الراحمين ، فحياه جبرئيل - عليه السلام - ، فقال : يا آدم ، إن الله عز وجل قد حياك وبياك ، فضحك آدم - عليه السلام - ، وأصل الضحك من آدم ، ولم [ ص: 1571 ] يضحك بعدها حتى مات ، فقال آدم : يا رب ، أفي سخطك أضحى في دار البلاء أم في رضاك ؟ فقال الله تبارك وتعالى : " بل في رضائي ، عفوت بقدرتي ، وتجاوزت بعفوي ، قال : يا رب ، أوصني ، قال : قد أوصيتك يا آدم ، فضيعت وصيتي ، ونسيت عهدي ، قال آدم : يا رب ، غلب علي قضاؤك ، وانتهيت إلى قدرك ، فأوصني إذ ضيعت ، ومرني إذ نسيت ، قال : آمرك يا آدم ، أوصيك خلالا فيهن جماع الخير كله ، واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس ، فأما التي لي تعبدني ، لا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك ما عملت من عمل أوفيتك أجره ، وأما التي بيني وبينك ، فمنك الدعاء ، وعلي الإجابة ، وأما التي بينك وبين الناس تحب لهم ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، قال آدم : لا إله إلا أنت كل قضائك عدل ، وكل أمرك برهان ، ظلمت نفسي فآوني ، وتبت إليك فاقبلني ، قال : قد فعلت يا آدم ، ثم جمع بينهما جبرئيل - عليه السلام - ، فلما اجتمعا بجمع ، قال آدم : يا حواء ، جعت فاشتهيت الطعام ، قالت حواء : من أين هاهنا الطعام ؟ إنما الطعام في الجنة ، فنظرت ، فإذا الجن يختبزون ، ويأكلون ، وكان الله عز وجل قد [ ص: 1572 ] خلق الجان أبا الجن قبل آدم بألفي عام ، فصنعت كما صنعوا ، فأكلا وشربا ، فشكت بطونهما حتى تبرزا ، فقال آدم - عليه السلام - : ليس لي في الدنيا حاجة إن لم يعجلني ربي إلى الجنة ، فطال حزني على ما فات منها ، ثم أتاه جبرئيل - عليه السلام - ، قال : احجج بنا يا آدم ، فحج مستغيثا بالبيت ، فلما قضى نسكه ، قالت له الملائكة : بر حجك يا آدم ، قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام ، فلم يقرب آدم حواء ، ولم يمسها ، ولم ينظر إلى السماء استحياء من ربه عز وجل حتى ناداه ربه عز وجل : فأتبع التلبية لبيك لبيك يا رب ، قال الله تبارك وتعالى : إني أريد أن أعمر بلادي من نسلك ، فكان آدم يأتي حواء بالغداة ، وتضع بالعشي توأمين " .

التالي السابق


الخدمات العلمية