الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1039 - 38 حدثنا محمد بن سهل ، حدثنا سلمة ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثنا أبو غنيم سعيد بن حدير الحضرمي ، قال : " لما أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة خرج آدم يطوف في الجنة ، فاغتنم إبليس غيبته ، فأقبل حتى بلغ المكان الذي فيه حواء ، فصفر بقصبة معه صفيرا أسمع حواء ، وبينها وبينه سبعون قبة بعضها في جوف بعض ، فأشرفت حواء عليه ، فجعل يصفر صفيرا لم يسمع السامعون بمثله من اللذة والشهوة حتى ما بقي من حواء عضو مع آخر إلا تخلج ، فقالت له حواء : أنشدك بالله لما أقصرت عني ، فإنك قد [ ص: 1574 ] أهلكتني ، فنزع القصبة ، ثم قلبها ، فصفر صفيرا آخر ، فجاء من البكاء ، والنوح ، والحزن بشيء لم يسمع السامعون بمثله حتى قطع فؤادها بالحزن ، والبكاء ، فقالت : أنشدك بالله لما قصرت عني ، ففعل ، فقالت له حواء : ما هذا الذي جئت به ؟ أخذتني بأمر الفرح ، وأخذتني بأمر الحزن ، قال : ذكرت منزلكما من الجنة ، وكرامة الله إياكما ، ففرحت لكما لمكانكما ، وذكرت أنكما تخرجان منها ، فبكيت لكما ، وحزنت عليكما ، ألم يقل لكما ربكما : متى ما تأكلان من هذه الشجرة تموتان ، وتخرجان منها ؟ انظري يا حواء إلي ، فإذا أكلتها ، فإن أنا مت أو تغير من خلقي شيء ، فلا تأكلي منها ، أقسم لكما بالله ما نهاكما ربكما عن أكل هذه الشجرة إلا لكيما تخلقان كخلقه ، ولا تخلدان في الجنة ، وأقسم بالله إني لكما لمن الناصحين ، فانطلق إبليس - لعنه الله تعالى - حتى تناول من تلك الشجرة ، وأكل منها ، فجعل يقول : يا حواء ، هل تغير من خلقي شيء ، أو هل مت ؟ قد أخبرتك ما أخبرتك ، ثم أدبر منطلقا ، وأدبر آدم - عليه السلام - من مكانه الذي يطوف به من الجنة ، فوجدها منكبة على وجهها حزينة ، فقال لها آدم : ما شأنك ؟ قالت : أتاني الناصح المشفق ، فقال آدم - عليه السلام - : ويحك ، لعله إبليس الذي حذرنا الله تعالى منه ، قالت : يا آدم ، والله لقد مضى إلى الشجرة ، فأكل منها وأنا أنظر ، فما مات ، ولا تغير من جسده [ ص: 1575 ] شيء ، فلم تزل به تدليه الغرور حتى مضى آدم وحواء إلى الشجرة ، فأهوى بيده إلى الثمرة ليأخذها من الثمرة ، فناداه جميع شجر الجنة : يا آدم ، لا تأكل منها ، فإنك إذا أكلتها تخرج منها ، فعزم آدم على المعصية ، وأخذ يتناول من الشجرة ، فجعلت الشجرة تتطاول ، ثم جعل يمد يده ليأخذها ، فلما وضع يده على الشجرة اشتدت ، فلما رأى الله عز وجل منه العزم على المعصية أخذها ، فأكل منها ، وناول حواء ، فأكلت ، فسقط عنهما لباس الجمال الذي كان عليهما من الجنة ، وبدت لهما سوآتهما ، فابتدرا يستكنان بورق الجنة يخصفان عليهما من ورق الجنة ، ويعلم الله ينظر إليهما ، فأقبل الرب تبارك وتعالى ، فقال : " يا آدم ، أين أنت ؟ اخرج " ، فقال : يا رب ، أنا ذا أستحيي أخرج إليك ، قال : " فلعلك أكلت من الشجرة التي نهيت عنها ؟ " ، قال : يا رب ، هذه التي جعلتها معي أغوتني ، قال : فمني تختبئ يا آدم ، ألم تعلم أن كل شيء لي باد ، وأنه لا يخفى علي شيء في ظلمة ليل ولا نهار ، فبعث الله عز وجل إليهما [ ص: 1576 ] ملائكة يدفعون في رقابهما حتى أخرجهما من الجنة ، فوقعا عريانين ، وإبليس - لعنه الله تعالى - معهما بين يدي الله عز وجل ، فعند ذلك قضى الله عز وجل عليهما وعلى إبليس ما قضى ، وعند ذلك أهبط إبليس معهما ، فتلقى آدم من ربه كلمات ، فتاب عليه ، فأهبطوا جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية