الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
255 - 66 قال جدي رضي الله عنه : قرأت على أبي يعقوب يوسف [ ص: 640 ] بن داود ، عن محمد بن يوسف التميمي ، قال : حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن آبائه : أن رجلين من كندة أصابا في جبل لهم يقال له بربر : بعض ألواح موسى عليه السلام ، وإذا في الألواح : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هو أول الأولين ، وآخر الآخرين ، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق قبل كل شيء القلم ، فكتب مقادير كل شيء ، ثم خلق الكرسي ، ثم خلق الهواء والظلمات سبعة آلاف سنة ، ولم يكن نور إلا نور ربنا تبارك [ ص: 641 ] وتعالى ، وخلق فيها ملائكة بلا أجنحة ، وكانوا ملائكة مقدسين ، وكان قولهم يومئذ التقديس ، فكانوا مخلوقين مقدسين بلا اسم سموا ، ثم بقي بعد ذلك تبارك وتعالى بلا شمس ولا قمر سبعة آلاف سنة ، واحتجب بنوره عن الملائكة ، ثم خلق من بعد الكرسي عرشه على الماء ، وخلق حوله الملائكة يسبحون بحمده ويرعدون من خيفته ، قال : فعند ذلك أمر البحرين فاصطكا : بحر الحياة ، وبحر اللجي ، فلم يزالا يصطكان حتى خرج من بينهما زبد ، فلم يزالا حتى خرج من ذلك الزبد نار ، فأوحى الله عز وجل عند ذلك إلى النار فأخرجت الزبد فصيرته أرضا ، وارتفع من النار دخان فسمكها سماء ، فكان مقدار خلقهن ستة أيام ، فقال لهن : ( ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين ) .

وسبع أرضين ، ثم استوى فوق السماوات ، وأوحى في كل سماء أمرها ، ثم خلق في كل سماء ملائكة يسبحون بالبركات ، فقدر ربنا تبارك وتعالى لكل ملائكة من التسبيح رزقا بمقدار ما شاء ، لأنه حيث خلقهم الله تعالى فضل بعضهم على بعض درجات ، وذلك قوله فيما أنزل من كتابه : ( وأوحى في كل سماء أمرها ) ، وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها ، قال : ثم خلق ربنا تبارك وتعالى الدنيا سبعة آلاف سنة من قبل أن يخلق فيها آدم ، فكان فيها أمم كثيرة من الجن وغيرهم ، يعبدونه في الأرض ، فعند [ ص: 642 ] ذلك بعث الله عز وجل إلى جميع تلك الأمم إبليس - لعنه الله - قاضيا يقضي بين تلك الأمم ، لا يزول عن حكومة الله شيئا ، ليلا ولا نهارا ، فلبث بذلك ألف سنة ، فعند ذلك سمي حكما ، وأوحى الله عز وجل إليه باسمه ، فلم يكن عرف شيء من الخلق غيره ، فدخله من ذلك الكبر فاستعظم وتكبر ، فعند ذلك عتا عن أمر ربه ، فطغى ، وأطغى أهل مملكته ، فألقى بينهم العداوة ، والبغضاء ، والبأس ، فاقتتلوا عند ذلك ألفي سنة ، حتى جعلت خيولهم تخوض في دمائهم ، وذلك قوله عز وجل في كتابه : ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ) ، وذلك قول الملائكة لربهم في ذلك حين سخط عليهم : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) ، يعنون بالدماء ، فعند ذلك بعث الله عز وجل نارا من النار الموقدة فعذبهم بها ، قال : فلما رأى الخبيث ما نزل بهم من العذاب عرج عند ذلك إلى السماء ، فأقام عند الملائكة فجعل يعبد الله عبادة مجتهدة ، لم يعبده شيء من خلقه بمثل تلك العبادة ، قال : فلم يزل يعبد الله في السماء أربعة آلاف سنة ، وكان ربنا تبارك وتعالى قد أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ، فسجدوا أجمعين غيره ، تكبر واستعظم أن يطيع أو يسجد كما سجدت الملائكة ، فقال : ما منعك ألا تسجد لبشر خلقته بيدي ؟ ، قال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ ص: 643 ] وعبدتك أربعة آلاف سنة ، ثم تأمرني أن أسجد لبشر خلقته من حمأ مسنون ، قال : يا عبدي فإني لست أقبل من عبادتك شيئا إلا بالطاعة لعبدي هذا ، وبالسجود له ، قال : رب ! أعفني عن هذا ، وأنا أضعف لك العبادة بكل وجه ترضاه إلى أن يسمع من في السماوات والأرض ، فقال له : إني لست أقبل منك يا عبدي ! من عبادتك شيئا إلا بالطاعة لعبدي هذا أو بالسجود له ، فعند ذلك أبى أن يفعل فأمره ربه عز وجل بالخروج منها ، وأمر ملائكته أن يرجموه فعند ذلك سمي المرجوم ، وذلك قوله فيما أنزل من كتابه " ( فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم )

التالي السابق


الخدمات العلمية