الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
97 - وذكر أبو عمر بن عبد البر حديث مالك في الموطإ (عن) ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي عبد الله الأغر ، جميعا عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى [ ص: 186 ] سماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له " وقال : هذا حديث ثابت من جهة النقل ، صحيح الأسانيد ، لا يختلف أهل الحديث في صحته ، وهو منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه دليل على أن الله تعالى في السماء على العرش ، من فوق سبع سماوات ، كما قالت الجماعة ، وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم : إن الله بكل مكان ، قال : والدليل على صحة قول أهل الحق قول الله عز وجل : الرحمن على العرش استوى [ ص: 187 ] ، وقوله تعالى : ثم استوى على العرش ، وقوله سبحانه : أأمنتم من في السماء ، وقال : إليه يصعد الكلم الطيب ، وقال : يخافون ربهم من فوقهم ، وقال : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه [ ص: 188 ] ، وقال : تعرج الملائكة والروح إليه ، وقال : وهو القاهر فوق عباده ، وقال لعيسى : إني متوفيك ورافعك إلي ، وقال : بل رفعه الله إليه ، وقد أخبر الله تعالى في موضعين من كتابه عن فرعون أنه قال : يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ، يعني : أظن موسى كاذبا في أن له إلها في السماء ، هذه الآية تدل على أن موسى كان يقول : إلهي في السماء ، وفرعون يظنه كاذبا . قال : ومن الحجة أيضا في أنه على العرش فوق السموات السبع: أن الموجودين أجمعين من العرب والعجم ، إذا كربهم أمر ، ونزلت بهم شدة ، رفعوا وجوههم إلى السماء ، ونصبوا أيديهم ، رافعين لها ، مشيرين بها إلى السماء ، يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى . وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من (أن) يحتاج أكثر من حكايته ، لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ، ولا أنكره عليهم مسلم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها ، وكانت عليه رقبة مؤمنة ، فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال لها : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء ، وقال لها : من أنا ؟ قالت : رسول الله . قال : اعتقها فإنها مؤمنة فاكتفى [ ص: 189 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع رأسها إلى السماء ، واستغنى بذلك عما سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية