الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية ، ولا يخلدونه في النار ؛ كما تقول المعتزلة .

      [ ص: 269 ] بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان ؛ كما في قوله : فتحرير رقبة مؤمنة .

      وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق ؛ كما في قوله تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ، وقوله صلى الله عليه وسلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن .

      ويقولون : هو مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، فلا يعطى الاسم المطلق ، ولا يسلب مطلق الاسم ) .

      [ ص: 270 ]

      التالي السابق


      [ ص: 270 ] ش وأما الفاسق الملي الذي يرتكب بعض الكبائر مع اعتقاده حرمتها ؛ فأهل السنة والجماعة لا يسلبون عنه اسم الإيمان بالكلية ، ولا يخلدونه في النار ؛ كما تقول المعتزلة والخوارج ، بل هو عندهم مؤمن ناقص الإيمان ، قد نقص من إيمانه بقدر معصيته ، أو هو مؤمن فاسق ، لا يعطونه اسم الإيمان المطلق ، ولا يسلبونه مطلق الإيمان .

      وأدلة الكتاب والسنة دالة على ما ذكره المؤلف رحمه الله من ثبوت مطلق الإيمان مع المعصية ؛ قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء .

      فناداهم باسم الإيمان ، مع وجود المعصية ، وهي موالاة الكفار منهم . . إلخ .

      فائدة : الإيمان والإسلام الشرعيان متلازمان في الوجود ، فلا يوجد أحدهما بدون الآخر ، بل كلما وجد إيمان صحيح معتد به ، وجد معه إسلام ، وكذلك العكس ، ولهذا قد يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر ؛ لأن أحدهما إذا أفرد بالذكر ؛ دخل فيه الآخر ، وأما إذا ذكرا معا مقترنين ؛ أريد بالإيمان التصديق والاعتقاد ، وأريد بالإسلام الانقياد الظاهري من الإقرار باللسان وعمل الجوارح .

      ولكن هذا بالنسبة إلى مطلق الإيمان ، أما الإيمان المطلق ؛ فهو أخص مطلقا من الإسلام ، وقد يوجد الإسلام بدونه ؛ كما في قوله تعالى : [ ص: 271 ] قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا .

      فأخبر بإسلامهم مع نفي الإيمان عنهم .

      وفي حديث جبريل ذكر المراتب الثلاث : الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ، فدل على أن كلا منها أخص مما قبله .




      الخدمات العلمية