الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
الوجه السادس : أنه إذا قيل له : لا تصدقه في هذا كان آمرا له بما يناقض ما علم به صدقه ، فكان آمرا بما يوجب أن لا يثق بشيء من غيره ، فإنه متى جوز كذبه أو غلطه في خبر جوز ذلك في غيره ، ولهذا أفضى الأمر بمن سلك هذا الطريق إلى أنهم لا يستفيدون من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا من الأمور الخبرية المتعلقة بصفات الرب سبحانه وتعالى وأفعاله ، بل ولا باليوم الآخر عند بعضهم ، لاعتقادهم أن هذه الأخبار على ثلاثة أنواع : نوع يجب رده وتكذيبه ، ونوع يجب تأويله وإخراجه عن حقيقته ، ونوع يقر ، وليس لهم في ذلك أصل يرجعون إليه ، بل يقول : ما أثبته عقلك فأثبته وما نفاه عقلك فانفه ، وهذا يقول : ما أثبته كشفك فأثبته وما لا فلا ، ووجود الرسول عندهم كعدمه في المطالب الإلهية ومعرفة الربوبية ، بل على قولهم وأصولهم وجوده [ ص: 112 ] أضر من عدمه ، لأنهم لا يستفيدون من جهته علما بهذا الشأن ، واحتاجوا إلى دفع ما جاء به ، إما بتكذيب ، وإما بتأويل ، وإما بإعراض وتفويض .

فإذا قيل : لا يمكن أنه يعلم أنه أخبر بما ينافي العقل فإنه منزه عن ذلك وممتنع عليه ذلك ، قيل : فهذا إقرار باستحالة معارضة العقل للسمع واستحالة المسألة ، وعلم أن جميع أخباره لا تناقض العقل .


قعد النقل سالما من مناف واسترحنا من الصداع جميعا

فإن قيل : بل المعارضة ثابتة بين العقل وبين ما يفهمه ظاهر اللفظ ، وليست ثابتة بين العقل وبين نفس ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فالمعارضة ثابتة بين العقل وبين ما يظن أنه دليل وليس بدليل ، أو يكون دليلا ظنيا لتطرق الظن إلى بعض مقدمات إسناده أو امتناعا ؟

قيل : وهذا رفع صورة المسألة ويحيلها بالكلية ، ويصير صورتها هكذا : إذا تعارض الدليل القولي وما ليس بدليل صحيح وجب تقديم العقل ، وهو كلام لا فائدة فيه ولا حاصل له ، وكل عاقل يعلم أن الدليل لا يترك لما ليس بدليل .

ثم يقال : إذا فسرتم الدليل السمعي بما ليس بدليل في نفس الأمر ، بل اعتقاد دلالته جهل ، أو بما يظن أنه دليل وليس دليلا ، فإن كان السمع في نفس الأمر كذلك لكونه خبرا مكذوبا أو صحيحا ، ولكن ليس فيه ما يدل على معارضته العقل بوجه ، وأبيتم التعارض والتقديم بين هذين النوعين فساعدناكم عليه ، وكلنا أسعد بذلك منكم ، فأنا أشد منكم نفيا للأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد إبطالا لما تحمله من المعاني الباطلة ، وإن كان الدليل السمعي صحيحا في نفسه ظاهر الدلالة بنفسه على المراد ، لم يكن ما عارضه من العقليات إلا خياليات فاسدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية