الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
قال القاضي وغيره : ويجب أن يبدأ وقال بعضهم ويبدأ في إنكاره بالأسهل ، ويعمل بظنه في ذلك ، فإن لم يزل المنكر الواجب زاد بقدر الحاجة ، فإن لم ينفع أغلظ فيه ، فإن زال وإلا رفعه إلى ولي الأمر ابتداء إن أمن حيفه فيه ، لكن يكره .

وسيأتي كلامه في نهاية المبتدئين من قدر على إنهاء المنكر إلى السلطان أنهاه ، وإن خاف فوته قبل إنهائه أنكره هو ، وتقدمت رواية أبي طالب : ويحرم أخذ مال على حد أو منكر ارتكب . ونقل الشيخ تقي الدين فيه الإجماع أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيره لا يجوز ، ولأنه مال سحت خبيث .

وظاهر قوله جواز المعاقبة بالمال مع إقامة الحد ، وشروط رفعه إلى ولي الأمر أن يأمن من حيفه فيه ويكون قصده في ذلك النصح لا الغلبة .

وقال في نهاية المبتدئين : يفعل فيه ما يجب أو يستحب لا غير قال وقيل لا يجوز رفعه إلى السلطان يظن عادة أنه لا يقوم به أو يقوم به على غير الوجه المأمور ، كذا قال وليس المذهب خلاف هذا القول . [ ص: 194 ]

قال ويخير في رفع منكر غير متعين عليه ونص أحمد في رواية الجماعة على أنه لا يرفعه إلى السلطان إن تعدى فيه ، ذكره ابن عقيل وغيره قال : قال أحمد إن علمت أنه يقيم الحد فارفعه .

قال الخلال : أخبرني محمد بن أشرس قال مر بنا سكران فشتم ربه فبعثنا إلى أبي عبد الله رسولا وكان مختفيا فقلنا أيش السبيل في هذا ؟ سمعناه يشتم ربه أترى أن نرفعه إلى السلطان ؟ فبعث إلينا إن أخذه السلطان أخاف أن لا يقيم عليه الذي ينبغي ولكن أخيفوه حتى يكون منكم شبيها بالهارب ، فأخفناه فهرب .

وقال محمد بن الكحال : أذهب إلى السلطان قال لا إنما يكفيك أن تنهاه وقال ليعقوب انههم واجمع عليهم قلت السلطان قال لا .

ونقل أبو الحارث يعظهم وينهاهم قلت قد فعل فلم ينتهوا قال يستعين عليهم بالجيران ، فأما السلطان فلا ، إذا رفعهم إلى السلطان خرج الأمر من يده أما علمت قصة عقبة بن عامر ، ونقل هذا المعنى جماعة ونقل مثنى في أخوين يحيف أحدهما على أخيه هل تجوز قطيعته أم يرفق به وينصح قال إذا أمره ونهاه فليس عليه أكثر من هذا وستأتي رواية حنبل .

فإن انتهى وإلا أنه أمره إلى السلطان حتى يمنعه من ذلك قال المروذي : وشكوت إلى أبي عبد الله جارا لنا يؤذينا بالمنكر قال تأمره بينك وبينه قلت قد تقدمت إليه مرارا فكأنه يمحل ، فقال أي شيء عليك إنما هو على نفسه أنكر بقلبك ودعه قلت لأبي عبد الله فيستعان بالسلطان عليه قال لا ربما أخذ منه الشيء ويترك وقال مثنى الأنباري قلت لأبي عبد الله : ما تقول إذا ضرب رجل رجلا بحضرتي أو شتمه ، فأرادني أن أشهد له عند السلطان قال : إن خاف أن يتعدى عليه لم يشهد وإن لم يخف شهد .

والذي يتحصل من كلام الإمام أحمد أنه هل يجب رفعه إلى السلطان بعلمه أنه يقيمه على الوجه المأمور أم لا ؟ فيه روايتان فإن لم يجب فهل يلزمه أن يستعين في ذلك بالجميع عليه بالجيران أو غيرهم أم لا ؟ فيه روايتان . [ ص: 195 ]

ورواية أبي طالب يكره ويسقط وجوب الرفع بخوفه أن لا يقيمه على الوجه المأمور على نص أحمد ، وظاهره أيضا لا يجوز لعلمه عادة أنه لا يقيمه على الوجه المأمور ، فظاهر كلام جماعة جوازه ، وأطلق بعضهم رفعه إلى ولي الأمر بلا تفصيل والله أعلم ، لكن قد قال الأصحاب من عنده شهادة بحد يستحب أن لا يقيمها .

ولعل كلام الإمام أحمد في الأمر برفعه على الاستحباب وعلى كل تقدير فهو مخالف لكلام الأصحاب إلا أن يتأول على جواز الرفع وهو تأويل بعيد من هذا الكلام ، ولعله أمر بعد حظر فيكون للإباحة ، فيكون رفعه لأجل الحد مباح ورفعه لأجل إنكار المنكر واجب أو مستحب والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية