الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قال الشافعي رحمه الله : الرجل إذا سرق أولا قطعت يده اليمنى ، وفي الثانية رجله اليسرى ، وفي الثالثة يده اليسرى ، وفي الرابعة رجله اليمنى ، وقال أبو حنيفة والثوري : لا يقطع في المرة الثالثة والرابعة .

                                                                                                                                                                                                                                            واحتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن السرقة علة لوجوب القطع ، وقد وجدت في المرة الثالثة ، فوجب القطع في المرة الثالثة أيضا ، إنما قلنا : إن السرقة علة لوجوب القطع لقوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) وقد بينا أن المعنى : الذي سرق فاقطعوا يده ، وأيضا الفاء في قوله : ( فاقطعوا أيديهما ) يدل على أن القطع وجب جزاء على تلك السرقة ، فالسرقة علة لوجوب القطع ، ولا شك أن السرقة حصلت في المرة الثالثة ، فما هو الموجب للقطع حاصل في المرة الثالثة ، فلا بد وأن يترتب عليه موجبه ، ولا يجوز أن يكون موجبه هو القطع في المرة الأولى ؛ لأن الحكم لا يسبق العلة ؛ وذلك لأن القطع وجب بالسرقة الأولى ، فلم يبق إلا أن تكون السرقة في المرة الثالثة توجب قطعا آخر وهو المطلوب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه تعالى قال : ( فاقطعوا أيديهما ) ولفظ الأيدي لفظ جمع ، وأقله ثلاثة ، والظاهر يقتضي وجوب قطع ثلاثة من الأيدي في السارق والسارقة ، ترك العمل به ابتداء فيبقى معمولا به عند السرقة الثالثة .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : إن ابن مسعود قرأ فاقطعوا أيمانهما ، فكان هذا الحكم مختصا باليمين لا في مطلق الأيدي ، والقراءة الشاذة جارية مجرى خبر الواحد .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : القراءة الشاذة لا تبطل القراءة المتواترة ، فنحن نتمسك بالقراءة المتواترة في إثبات مذهبنا وأيضا القراءة الشاذة ليست بحجة عندنا ؛ لأنا نقطع أنها ليست قرآنا ، إذ لو كانت قرآنا لكانت متواترة ، فإنا لو جوزنا أن لا ينقل شيء من القرآن إلينا على سبيل التواتر انفتح باب طعن الروافض والملاحدة في القرآن ؛ ولعله كان في القرآن آيات دالة على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه نصا ، وما نقلت إلينا ، ولعله كان فيه آيات دالة على نسخ أكثر هذه الشرائع وما نقلت إلينا ، ولما كان ذلك باطلا بأنه لو كان قرآنا لكان متواترا ، فلما لم يكن متواترا قطعنا أنه ليس بقرآن ، فثبت أن القراءة الشاذة ليست بحجة البتة . [ ص: 180 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية