الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال موسى بن هارون الحافظ : يقال : إن أحمد لما مات ، مسحت الأمكنة المبسوطة التي وقف الناس للصلاة عليها ، فحزر مقادير الناس ، بالمساحة على التقدير ستمائة ألف أو أكثر ، سوى ما كان في الأطراف والحوالي والسطوح والمواضع المتفرقة أكثر من ألف ألف . [ ص: 340 ]

                                                                                      قال جعفر بن محمد بن الحسين النيسابوري : حدثني فتح بن الحجاج ، قال : سمعت في دار ابن طاهر الأمير ، أن الأمير بعث عشرين رجلا . فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل ، فحزروا ، فبلغ ألف ألف وثمانين ألفا سوى من كان في السفن . رواها خشنام بن سعد فقال : بلغوا ألف ألف وثلاثمائة ألف .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة ، يقول : بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صلي على أحمد ، فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ألف .

                                                                                      وقال أبو بكر البيهقي : بلغني عن أبي القاسم البغوي أن ابن طاهر أمر أن يحزر الخلق الذين في جنازة أحمد ، فاتفقوا على سبعمائة ألف نفس .

                                                                                      قال أبو همام السكوني : حضرت جنازة شريك ، وجنازة أبي بكر بن عياش ، ورأيت حضور الناس ، فما رأيت جمعا قط مثل هذا يعني : جنازة أبي عبد الله .

                                                                                      قال السلمي : حضرت جنازة أبي [ الفتح ] القواس مع الدارقطني ، فلما نظر إلى الجمع ، قال : سمعت أبا سهل بن زياد ، يقول : سمعت عبد الله بن أحمد ، يقول : سمعت أبي يقول : قولوا لأهل البدع : بيننا وبينكم يوم الجنائز . [ ص: 341 ]

                                                                                      قال صالح : ودخل على أبي مجاهد بن موسى ، فقال : يا أبا عبد الله ، قد جاءتك البشرى ، هذا الخلق يشهدون لك ، ما تبالي لو وردت على الله الساعة ، وجعل يقبل يده ويبكي ، ويقول : أوصني يا أبا عبد الله ، فأشار إلى لسانه . ودخل سوار القاضي ، فجعل يبشره ويخبره بالرخص .

                                                                                      وذكر عن معتمر أن أباه قال له عند موته : حدثني بالرخص .

                                                                                      وقال لي أبي : جئني بالكتاب الذي فيه حديث ابن إدريس ، عن أبيه ، عن طاووس ، أنه كان يكره الأنين ، فقرأته عليه ، فلم يئن إلا ليلة وفاته . وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي : أخرج حديث الأنين ، فقرأته عليه ، فما سمع له أنين حتى مات .

                                                                                      وفي جزء محمد بن عبد الله بن علم الدين : سمعناه قال : سمعت عبد الله بن أحمد يقول : لما حضرت أبي الوفاة ، جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه ، فجعل يغرق ثم يفيق ، ثم يفتح عينيه ، ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد ، ثلاث مرات . فلما كان في الثالثة ، قلت يا أبة ، أي شيء هذا الذي لهجت به في هذا الوقت ؟ فقال : يا بني ، ما تدري ؟ قلت : لا . قال : إبليس - لعنه الله - قائم بحذائي ، وهو عاض على أنامله ، يقول : يا أحمد فتني ، وأنا أقول : لا بعد حتى أموت . فهذه حكاية غريبة ، تفرد بها ابن علم ، فالله أعلم . [ ص: 342 ] وقد أنبأنا الثقة ، عن أبي المكارم التيمي ، أخبرنا الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر ، قال : سئل عبد الله بن أحمد : هل عقل أبوك عند المعاينة ؟ قال : نعم . كنا نوضئه ، فجعل يشير بيده ، فقال لي صالح : أي شيء يقول ؟ فقلت ، هو ذا يقول : خللوا أصابعي ، فخللنا أصابعه ثم ترك الإشارة ، فمات من ساعته .

                                                                                      وقال صالح : جعل أبي يحرك لسانه إلى أن توفي .

                                                                                      وعن أحمد بن داود الأحمسي ، قال : رفعنا جنازة أحمد مع العصر ، ودفناه مع الغروب .

                                                                                      قال صالح : لم يحضر أبي وقت غسله غريب ، فأردنا أن نكفنه ، فغلبنا عليه بنو هاشم ، وجعلوا يبكون عليه ، ويأتون بأولادهم فيكبونهم عليه ويقبلونه ، ووضعناه على السرير ، وشددنا بالعمائم .

                                                                                      قال الخلال : سمعت ابن أبي صالح القنطري ، يقول : شهدت الموسم أربعين عاما ، فما رأيت جمعا قط مثل هذا ، يعني : مشهد أبي عبد الله .

                                                                                      الخلال : سمعت عبد الوهاب الوراق ، يقول : أظهر الناس في جنازة أحمد بن حنبل السنة والطعن على أهل البدع ، فسر الله المسلمين بذلك على ما عندهم من المصيبة لما رأوا من العز وعلو الإسلام ، وكبت أهل الزيغ .

                                                                                      ولزم بعض الناس القبر ، وباتوا عنده ، وجعل النساء يأتين حتى منعن .

                                                                                      وسمعت المروذي يقول عن علي بن مهرويه ، عن خالته ، قالت : ما صلوا ببغداد في مسجد العصر يوم وفاة أحمد ، وقيل : إن الزحمة دامت على القبر أياما . [ ص: 343 ] أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أخبرنا ابن خليل . أخبرنا اللبان ، عن الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، سمعت ظفر بن أحمد ، حدثني الحسين بن علي ، حدثني أحمد بن الوراق ، حدثني عبد الرحمن بن محمد ( ح ) وأخبرنا ابن الفراء ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا ابن خضير ، أخبرنا ابن يوسف ، أخبرنا البرمكي ، أخبرنا ابن مردك ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني أبو بكر محمد بن عباس المكي ، سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل ، قال : يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف : المسلمين ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس . وأسلم يوم مات عشرون ألفا . وفي رواية ظفر : عشرة آلاف من اليهود والنصارى والمجوس .

                                                                                      هذه حكاية منكرة ، تفرد بنقلها هذا المكي عن هذا الوركاني ، ولا يعرف ، وما ذا بالوركاني المشهور محمد بن جعفر الذي مات قبل أحمد بن حنبل بثلاث عشرة سنة ، وهو الذي قال فيه أبو زرعة : كان جارا لأحمد بن حنبل . ثم العادة والعقل تحيل وقوع مثل هذا . وهو إسلام ألوف من الناس لموت ولي لله ، ولا ينقل ذلك إلا مجهول لا يعرف . فلو وقع ذلك لاشتهر ولتواتر لتوفر الهمم ، والدواعي على نقل مثله . بل لو أسلم لموته مائة نفس ، لقضي من ذلك العجب . فما ظنك ؟ ! . [ ص: 344 ]

                                                                                      قال صالح : وبعد أيام جاء كتاب المتوكل على الله إلى ابن طاهر ، يأمره بتعزيتنا ، ويأمره بحمل الكتب . قال : فحملتها ، وقلت : إنها لنا سماع ، فتكون في أيدينا وتنسخ عندنا . فقال : أقول لأمير المؤمنين ، فلم يزل يدافع الأمير ، ولم تخرج عن أيدينا ، والحمد لله .

                                                                                      الخلال : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا المروذي ، حدثني أبو محمد اليماني بطرسوس ، قال : كنت باليمن ، فقال لي رجل : إن بنتي قد عرض لها عارض ، فمضيت معه إلى عزام باليمن ، فعزم عليها ، وأخذ علي الذي عزم عليه العهد أن لا يعود ، فمكث نحوا من ستة أشهر . ثم جاءني أبوها ، فقال : قد عاد إليها . قلت : فاذهب إلى العزام . فذهب إليه فعزم عليها ، فكلمه الجني ، فقال : ويلك ، أليس قد أخذت عليك العهد أن لا تقربها ؟ قال : ورد علينا موت أحمد بن حنبل ، فلم يبق أحد من صالحي الجن إلا حضره إلا المردة ، فإني تخلفت معهم .

                                                                                      ومن المنامات وبالإسناد إلى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، سمعت محمد بن مهران الجمال يقول : رأيت أحمد بن حنبل في النوم كأن عليه بردا مخططا أو مغيرا ، وكأنه بالري يريد المصير إلى الجامع . قال : فاستعبرت بعض أهل التعبير ; فقال : هذا رجل يشتهر بالخير .

                                                                                      وبه إلى الجمال ، قال : فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد من خبره من أمر المحنة . [ ص: 345 ] وبه قال ابن أبي حاتم : وسمعت أبي ، يقول : رأيت أحمد في المنام ، فرأيته أضخم مما كان وأحسن وجها وسحنا مما كان . فجعلت أسأله الحديث وأذاكره .

                                                                                      وبه قال : وسمعت عبد الله بن الحسين بن موسى يقول : رأيت رجلا من أهل الحديث توفي ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . فقلت : بالله ؟! قال : بالله إنه غفر لي . فقلت بماذا غفر الله لك ؟ قال : بمحبتي أحمد بن حنبل .

                                                                                      وبه قال : حدثنا محمد بن مسلم ، حدثني أبو عبد الله الطهراني عن الحسن بن عيسى ، عن أخي أبي عقيل ، قال : رأيت شابا ، توفي بقزوين ، فقلت : ما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي . ورأيته مستعجلا ، فسألته ، فقال : لأن أهل السماوات قد اشتغلوا بعقد الألوية لاستقبال أحمد بن حنبل ، وأنا أريد استقباله . وكان أحمد توفي تلك الأيام . قال ابن مسلم : ثم لقيت أخا أبي عقيل ، فحدثني بالرؤيا .

                                                                                      وبه قال : وحدثنا محمد بن مسلم ، حدثنا الهيثم بن خالويه ، قال : رأيت السندي في النوم ، فقلت : ما حالك ؟ قال : أنا بخير ، لكن اشتغلوا عني بمجيء أحمد بن حنبل .

                                                                                      أخبرنا علي بن عبد الدائم ، أخبرنا محمد بن يوسف بن مسافر ، أخبرنا عبد المغيث بن زهير ، وأبو منصور ابن حمدية ، وأخوه محمد ، قالوا : أخبرنا [ ص: 346 ] أبو غالب بن البناء ، أخبرنا أبي أبو علي ، أخبرنا عبيد الله بن أحمد الأزهري ، حدثنا محمد بن العباس ، أن ابن مخلد أخبرهم ، أخبرنا يزيد بن خالد بن طهمان ، أخبرنا القواريري عبيد الله بن عمر ، قال : جاءني شيخ فخلا بي ، فقال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدا ، ومعه أحمد بن نصر ، فقال : على فلان لعنة الله ثلاث مرات ، وعلى فلان وفلان; فإنهما يكيدان الدين وأهله ، ويكيدان أحمد بن حنبل والقواريري ، وليس يصلان إلى شيء منهما إن شاء الله . ثم قال : أقرئ أحمد والقواريري السلام ، وقل لهما : جزاكما الله عني خيرا وعن أمتي .

                                                                                      وبه قال أبو علي : أخبرنا الحسين بن محمد الناقد ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثني أبي ، قال : رأيت في المنام أيام المحنة ; كأن رجلا خرج من المقصورة وهو يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقتدوا باللذين من بعدي : أحمد بن حنبل وفلان " وقال : نسيت اسمه إلا أنه كان أيام قتل أحمد بن نصر ، يعني : اقتدوا في وقتكم هذا .

                                                                                      وبه : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ ، أخبرنا أبو بكر الآجري ، أخبرنا عبد الله بن العباس الطيالسي ، حدثنا بندار ومحمد بن المثنى ، قالا : كنا نقرأ على شيخ ضرير . فلما أحدثوا ببغداد القول بخلق القرآن ، قال الشيخ : إن لم يكن القرآن مخلوقا ، فمحى الله القرآن من صدري . فلما سمعنا هذا ، تركناه فلما كان بعد مدة لقيناه ، فقلنا : يا فلان ، ما فعل القرآن ؟ قال : ما بقي في صدري منه شيء . قلنا : ولا قل هو الله أحد قال : ولا قل هو الله أحد إلا أن أسمعها من غيري يقرؤها . [ ص: 347 ]

                                                                                      أخبرنا أبو حفص بن القواس ، أنبأنا الكندي ، أخبرنا عبد الملك الكروخي أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا محمد بن عبد الجليل ، أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ( ح ) ، وقال أبو محمد الخلال : أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، قالا : أخبرنا أحمد بن محمد بن مقسم ، سمعت عبد العزيز بن أحمد النهاوندي ، سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ، سمعت أبي ، يقول : رأيت رب العزة في المنام ، فقلت : يا رب ، ما أفضل ما تقرب به إليك المتقربون ؟ قال : بكلامي يا أحمد . قلت : يا رب ، بفهم أو بغير فهم ؟ قال : بفهم وبغير فهم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية