والتولي والسعي يحتملان الحقيقة أي: تولى ببدنه عنك وسعى بقدميه، والمجاز بأن يريد بالتولي الرجوع عن القول الأول، وبالسعي العمل والكسب من السعاية، وهو مجاز شائع، ومنه: "وأن ليس للإنسان إلا [ ص: 352 ] ما سعى" وقال امرؤ القيس:
897 - فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
898 - أسعى على حي بني مالك كل امرئ في شأنه ساعي
899 - ما قلت ما قال وشاة سعوا سعي عدو بيننا يرجف
قوله: "ويهلك الحرث" الجمهور على: "يهلك" بضم الياء وكسر اللام ونصب الكاف. "الحرث" مفعول به، وهي قراءة واضحة من: أهلك يهلك، والنصب عطف على الفعل قبله، وهذا شبيه بقوله تعالى: "وملائكته ورسله وجبريل" فإن قوله: "ليفسد" يشتمل على أنه يهلك الحرث والنسل، فخصهما [ ص: 353 ] بالذكر لذلك. وقرأ "وليهلك" بإظهار لام العلة وهي معنى قراءة الجمهور، وقرأ أبي: أبو حيوة - ورويت عن ابن كثير - "ويهلك الحرث والنسل" بفتح الياء وكسر اللام من هلك الثلاثي، و "الحرث" فاعل، و "النسل" عطف عليه. وقرأ قوم: "ويهلك الحرث" من أهلك، و "الحرث" مفعول به إلا أنهم رفعوا الكاف. وخرجت على أربعة أوجه: أن تكون عطفا على "يعجبك" أو على "سعى" لأنه في معنى المستقبل، أو على خبر مبتدأ محذوف أي: وهو يهلك، أو على الاستئناف. وقرأ وأبي عمرو "ويهلك" مبنيا للمفعول، "الحرث" رفعا، وقرأ أيضا: "ويهلك" بفتح الياء واللام ورفع الكاف، "الحرث" رفعا على الفاعلية، وفتح عين المضارع هنا شاذ لفتح عين ماضيه، وليس عينه ولا لامه حرف حلق فهو مثل ركن يركن بالفتح فيهما. و "الحرث" تقدم. الحسن:
والنسل: مصدر نسل ينسل أي: خرج بسرعة، ومنه: نسل وبر البعير، ونسل ريش الطائر أي: خرج وتطاير، وقيل: النسل الخروج متتابعا، ومنه: "نسال الطائر" ما تتابع سقوطه من ريشه، قال امرؤ القيس:
900 - وإن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل