الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفاكهة مما يتخيرون أي يأخذون خيره وأفضله والمراد مما يرضونه ولحم طير مما يشتهون مما تميل نفوسهم إليه وترغب فيه ، والظاهر أن فاكهة ولحم معطوفان على أكواب فتفيد الآية أن الولدان يطوفون بهما عليهم ، واستشكل بأنه قد جاء في الآثار أن فاكهة الجنة وثمارها ينالها القائم والقاعد والنائم ، وعن مجاهد أنها دانية من أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين ، وأن الرجل من أهل الجنة يشتهي الطير من طيور الجنة فيقع في يده مقليا نضجا ، وقد أخرج هذا ابن أبي الدنيا عن أبي أمامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عن ميمونة مرفوعا أن الرجل ليشتهي الطير في الجنة فيجيء مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولم تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير إلى غير ذلك ، وإذا كان الأمر كما ذكر استغني عن طوافهم بالفاكهة واللحم ، وأجيب بأن ذلك - والله تعالى أعلم - حالة الاجتماع والشرب ، ويفعلون ذلك للإكرام ومزيد المحبة والتعظيم والاحترام ، وهذا كما يناول أحد الجلساء على خوان الآخر بعض ما عليه من الفواكه ونحوها وإن كان ذلك قريبا منه اعتناء بشأنه وإظهارا لمحبته والاحتفال به ، وجوز أن يكون العطف على جنات النعيم وهو من باب - متقلدا سيفا ورمحا - أو من بابه المعروف ، وتقديم الفاكهة على اللحم للإشارة إلى أنهم ليسوا بحالة تقتضي تقديم اللحم كما في الجائع فإن حاجته إلى اللحم أشد من حاجته إلى الفاكهة بل هم بحالة تقتضي تقديم الفاكهة واختيارها كما في الشبعان فإنه إلى الفاكهة أميل منه إلى اللحم ، وجوز أن يكون ذلك لأن عادة أهل الدنيا لا سيما أهل الشرب منهم تقديم الفاكهة في الأكل وهو طبا مستحسن لأنها ألطف وأسرع انحدارا وأقل احتياجا إلى المكث في المعدة للهضم ، وقد ذكروا أن أحد أسباب الهيضة إدخال اللطيف من الطعام على الكثيف منه ولأن الفاكهة تحرك الشهوة للأكل واللحم يدفعها غالبا .

                                                                                                                                                                                                                                      ويعلم من الوجه الأول وجه تخصيص التخير بالفاكهة والاشتهاء باللحم ، وفيه إشارة إلى أن الفاكهة [ ص: 138 ]

                                                                                                                                                                                                                                      لم تزل حاضرة عندهم وبمرأى منهم دون اللحم ووجه ذلك أنها مما تلذه الأعين دونه ، وقيل : وجه التخصيص كثرة أنواع الفاكهة واختلاف طعومها وألوانها وأشكالها وعدم كون اللحم كذلك ، وفي التعبير بيتخيرون دون يختارون وإن تقاربا معنى إشارة لمكان صيغة التفعل إلى أنهم يأخذون ما يكون منها في نهاية الكمال وأنهم في غاية الغنى عنها ، والله تعالى أعلم بأسرار كلامه

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية