الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1828 [ ص: 256 ] 1834 - مالك عن صيفي ; مولى ابن أفلح ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ; أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري ، فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى قضى صلاته ، فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته ، فإذا حية ، فقمت لأقتلها ، فأشار أبو سعيد أن اجلس ، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم ، قال : إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس ، فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق ، فبينا هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه ، فقال : يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه سلم - ، وقال : " خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك بني قريظة " فانطلق الفتى إلى أهله ، فوجد امرأته قائمة بين البابين ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها ، وأدركته غيرة ، فقالت : لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك ، فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه ، فركز فيها رمحه ، ثم خرج بها فنصبه في الدار ، فاضطربت الحية في رأس الرمح ، وخر الفتى ميتا ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا ، الفتى أم الحية ؟ فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام ، فإذا بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        41039 - قال أبو عمر : قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث ، وفي [ ص: 257 ] ألفاظه ، وفي ولاء صيفي في " التمهيد " ; لأن مالكا يقول فيه : مولى ابن أفلح ، وأفلح هو مولى أبي أيوب الأنصاري .

                                                                                                                        41040 - وقال ابن عجلان فيه : عن صيفي مولى الأنصار .

                                                                                                                        41041 - كذا قال فيه الليث ، وغيره عن ابن عجلان .

                                                                                                                        41042 - وقال فيه ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن صيفي مولى أبي السائب ، ولم يقم إسناده ابن عيينة .

                                                                                                                        41043 - والقول عندي في ذلك ، ما قاله مالك ، والله أعلم .

                                                                                                                        41044 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في " التمهيد " .

                                                                                                                        41045 - وقد روي هذا الحديث بغير هذا الإسناد .

                                                                                                                        41046 - رواه حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد .

                                                                                                                        41047 - حدثناه عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد بن غالب ، وزكريا بن يحيى الناقد ، قالا : حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثني حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ، فرجع من الطريق ، فإذا هو بامرأته [ ص: 258 ] قائمة بالحجرة فمد إليها الرمح ، فقالت : ادخل فانظر ما في البيت ، فدخل ، فإذا هو بحية منطوية على فراشه فانتظمها برمحه ، وركز الرمح في الدار ، فانتفضت الحية ، وماتت ، ومات الرجل . قال : فذكر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إنه قد نزل بالمدينة جن مسلمون " ، أو قال : " إن لهذه البيوت عوامر " - شك خالد - " فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا ، فإن عاد فاقتلوه " .

                                                                                                                        41048 - وقال زكريا بن يحيى في حديثه " فإذا رأيتم منه شيئا فتعوذوا " .

                                                                                                                        41049 - وحدثني عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثني ابن مسرور ، قال : حدثني أحمد بن أبي سليمان ، قال : حدثني سحنون ، قال : حدثني ابن وهب ، قال : سمعت مالكا يقول في الحية توجد في المسجد : إنها تقتل ولا يتقدم إليها ، وأما ذوات البيوت ، فإنها يتقدم إليها ثلاثا ثم تقتل .

                                                                                                                        41050 - قال مالك : قد سمعت ذلك .

                                                                                                                        41051 - قال أبو عمر : قال بعض أهل العلم : لا تؤذن الحيات ، ولا يناشدن ، ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة ; لهذا الحديث وما كان مثله .

                                                                                                                        41052 - وممن قال ذلك : عبد الله بن نافع .

                                                                                                                        [ ص: 259 ] 41053 - وقال آخرون : المدينة وغيرها سواء ; لأن إسلام الجن ، وأنه لا يحل قتل من أسلم من إنسي ولا جني ، وكما نزل من مسلمي الجن بالمدينة من تركها منهم ، كذلك ينزلون غير المدينة ، والله أعلم .

                                                                                                                        41054 - قال مالك : أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت ، بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ، ولا ينذرن بالصحاري .

                                                                                                                        41055 - قال أبو عمر : روينا عن عائشة من حديث ابن أبي مليكة وغيره عنها ، أنها قتلت حية بالمدينة ، فأريت في المنام ، أن قائلا يقول لها : قد قتلت مسلما ، قالت : لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقيل لها : ما دخل عليك وإلا وعليك ثيابك : وكان يجيء ليسمع القرآن ، فأصبحت فازعة ، فأمرت باثني عشر ألف درهم ، فجعلت في سبيل الله ، أو في الرقاب .

                                                                                                                        41056 - وذكر سنيد ، قال : حدثني محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، أن حية طافت بالبيت سبعا ، قال : فجاء عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال : أيها الجان ، إنك قد قضيت طوافك بالبيت ، ولا نأمن عليك بعض سفهائنا ، فاذهب ، قال : فحفر الحصباء ببطنه ، ثم ذهب مصعدا في السماء ، قال : فجعلنا ننظر إلى بريق بطنه وهو ذاهب في السماء .

                                                                                                                        41057 - روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن سعيد بن [ ص: 260 ] أبي وقاص ، وقال : بينا أنا بعبادان . إذ جاءني رسول زوجتي ، فقال : أجب فلانة ، فاستنكرت ذلك ، فدخلت ، فقلت : مه ؟ فقالت : إن هذه الحية - وأشارت إليها - كنت أراها في البادية إذا خلوت ، ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن ، وهي هي أعرفها بعينها ، قال : فخطب سعد خطبة ، حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنك قد آذيتيني ، وإني لأقسم بالله ، إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك ، فخرجت الحية ، وانسابت من باب البيت ومن باب الدار ، فأرسل وراءها سعد إنسانا ، فقال : انظر أين تذهب ؟ فتبعتها حتى جاءت المسجد ، وجاءت منبر رسول الله - صلى الله عليه سلم - ، فرقيت عليه ، ثم صعدت إلى السماء حتى غابت .

                                                                                                                        41058 - وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب ، بالأسانيد في " التمهيد " ، من ذلك ما :

                                                                                                                        41059 - حدثني أحمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن فطيس ، قال : حدثني بحر بن نصر ، قال : حدثني ابن وهب ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الجن على ثلاثة أثلاث ; فثلث لهم [ ص: 261 ] أجنحة يطيرون في الهواء ، وثلث حيات وكلاب ، وثلث يحلون ويظعنون " .

                                                                                                                        41060 - وهذا إسناد جيد ، رواته أئمة ثقاة ، وهو خير من إسناد حديث أبي الدرداء .

                                                                                                                        41061 - وقد ذكرناه في " التمهيد " .

                                                                                                                        41062 - قال أبو عمر : ما يحل ويظعن ; الغول ، والسعلاة ، وهو ضرب من ضروب الجن ، وفرع منهم يتصور في القفار والطرق ليلا ونهارا ، فتفزع المسافر ، وتتلون ألوانا في صور شتى ، منها قبيحة ومنها حسنة .

                                                                                                                        41063 - قال الفضل بن زهير :

                                                                                                                        فما تدوم على حال تكون بها كما تغول في أثوابها الغول



                                                                                                                        41064 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إذا تغولت الغيلان ، فبادروا بالأذان " .

                                                                                                                        41065 - وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه : " إذا تغولت الغيلان ، فأذنوا بالصلاة " .

                                                                                                                        41066 - وقد ذكرت إسناده في " التمهيد " ، والحمد لله العلي المجيد .




                                                                                                                        الخدمات العلمية