الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله - عز وجل -:

ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون

المقصد بهذه الآية النهي عن الميتة؛ إذ هي جواب لقول المشركين: "تتركون ما قتل الله؟"؛ والنهي أيضا عما ذبح للأنصاب؛ ومع ذلك فلفظها يعم ما تركت التسمية عليه [ ص: 451 ] من ذبائح الإسلام؛ وبهذا العموم تعلق محمد بن سيرين ؛ وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة؛ وعبد الله بن عمر ؛ ونافع ؛ وعبد الله بن زيد الخطمي؛ والشعبي ؛ وغيرهم؛ فما تركت التسمية عليه - نسيانا؛ أو عمدا - لم يؤكل؛ وقالت طائفة عظيمة من أهل العلم: يؤكل ما ذبح ولم يسم عليه نسيانا؛ ولا يؤكل ما لم يسم عليه عمدا؛ وهذا قول الجمهور؛ وحكى الزهراوي عن مالك بن أنس أنه قال: تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا؛ أو نسيانا؛ وعن ربيعة أيضا؛ قال عبد الوهاب: التسمية سنة؛ فإذا تركها الذابح ناسيا أكلت الذبيحة؛ في قول مالك وأصحابه؛ وإذا تركها عمدا؛ فقال مالك : لا تؤكل؛ فحمل بعض أصحابه قوله: "لا تؤكل"؛ على التحريم؛ وحمله بعضهم على الكراهية؛ وقال أشهب: تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدا؛ إلا أن يكون مستخفا؛ وقال نحوه الطبري .

وذبائح أهل الكتاب عند جمهور العلماء في حكم ما ذكر اسم الله تعالى عليه؛ من حيث لهم دين وشرع؛ وقال قوم: نسخ من هذه الآية ذبائح أهل الكتاب؛ قاله عكرمة ؛ والحسن بن أبي الحسن.

والضمير في "وإنه"؛ من: وإنه لفسق ؛ عائد على الأكل الذي تضمنه الفعل في قوله تعالى ولا تأكلوا ؛ ويحتمل أن يعود على "ترك الذكر"؛ الذي يتضمنه قوله تعالى "لم يذكر"؛ و"الفسق": الخروج عن الطاعة؛ هذا عرفه في الشرع.

وقوله تعالى وإن الشياطين ؛ الآية؛ قال عكرمة : عنى بالشياطين في هذه الآية مردة الإنس؛ من مجوس "فارس"؛ وذلك أنهم كانوا يوالون قريشا على عداوة النبي - صلى اللـه عليه وسلم -؛ فخاطبوهم منبهين على الحجة التي ذكرناها في أمر الذبح؛ من قولهم: "تأكلون ما قتلتم؛ ولا تأكلون ما قتل الله؟"؛ فذلك من مخاطبتهم هو الوحي الذي عنى؛ والأولياء قرائن؛ والمجادلة هي تلك الحجة؛ وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ وعبد الله بن كثير : بل الشياطين: الجن؛ واللفظة على وجهها؛ وكفرة الجن أولياء لكفرة قريش؛ ووحيهم إليهم كان بالوسوسة؛ حتى ألهموهم تلك الحجة؛ أو على ألسنة الكهان؛ وقال أبو زميل: كنت عند ابن عباس ؛ فجاءه رجل فقال: إن أبا إسحاق - يعني المختار - زعم أنه أوحي إليه الليلة؛ فقال ابن عباس : "صدق"؛ فنفرت؛ فقال ابن عباس : "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم".

[ ص: 452 ] ثم نهى الله تعالى عن طاعتهم؛ بلفظ يتضمن الوعيد؛ وعرض أصعب مثال في أن يشبه المؤمن بمشرك؛ وحكى الطبري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قولا: إن الذين جادلوا بتلك الحجة هم قوم من اليهود.

قال القاضي أبو سعيد - رحمه الله -:

وهذا ضعيف لأن اليهود لا تأكل الميتة؛ أما إن ذلك يتجه منهم على جهة المغالطة؛ كأنهم يحتجون عن العرب.

التالي السابق


الخدمات العلمية