الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (40) قوله تعالى : مثقال ذرة : فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أي : لا يظلم أحدا ظلما وزن ذرة ، فحذف المفعول والمصدر وأقام نعته مقامه . ولما ذكر أبو البقاء هذا الوجه [ ص: 681 ] قدر قبله مضافا محذوفا قال : "تقديره : ظلما قدر مثقال ذرة ، فحذف المصدر وصفته ، وأقام المضاف إليه مقامهما " . ولا حاجة إلى ذلك لأن المثقال نفسه هو قدر من الأقدار ، جعل معيارا لهذا القدر المخصوص . والثاني : أنه منصوب على أنه مفعول ثان لـ " يظلم " والأول محذوف ، كأنهم ضمنوا "بظلم " معنى "بغضب " و "بنقص " فعدوه لاثنين ، والأصل : إن الله لا يظلم أحدا مثقال ذرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وإن تك حسنة حذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال ، وهذه قاعدة كلية ، وهو أنه يجوز حذف نون "يكون " مجزومة ، بشرط ألا يليها ضمير متصل نحو : "لم يكنه " وألا تحرك النون لالتقاء الساكنين نحو : لم يكن الذين كفروا خلافا ليونس ، فإنه أجاز ذلك مستدلا بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1583 - فإن لم تك المرآة أبدت وسامة فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا عند سيبويه ضرورة ، وإنما حذفت النون لغنتها وسكونها فأشبهت الواو ، وهذا بخلاف سائر الأفعال نحو : "لم يضن " و "لم يهن " لكثرة استعمال "كان " ، وكان ينبغي أن تعود الواو عند حذف هذه النون ؛ لأنها إنما حذفت لالتقاء الساكنين وقد زال ثانيهما وهو النون إلا أنها كالملفوظ بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور "حسنة " نصبا على خبر "كان " الناقصة ، واسمها مستتر فيها [ ص: 682 ] يعود على "مثقال " وإنما أنث ضميره حملا على المعنى ؛ لأنه بمعنى : وإن تكن زنة ذرة حسنة ، أو لإضافته إلى مؤنث فاكتسب منه التأنيث . وقرأ ابن كثير ونافع "حسنة " رفعا على أنها التامة أي : وإن تقع أو توجد حسنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير وابن عامر : "يضعفها " بالتضعيف ، والباقون "يضاعفها " . قال أبو عبيدة : "ضاعفه " يقتضي مرارا كثيرة ، و "ضعف " يقتضي مرتين ، وهذا عكس كلام العرب ؛ لأن المضاعفة تقتضي زيادة المثل ، فإذا شددت دلت البنية على التكثير ، فيقتضي ذلك تكرير المضاعفة بحسب ما يكون من العدد . وقال الفارسي : "هما لغتان بمعنى ، يدل عليه قوله" نضعف لها العذاب ضعفين "" فيضعفه له أضعافا كثيرة" وقد تقدم لنا الكلام على هذا بأبسط منه هنا . وقرأ ابن هرمز : " نضاعفها "بالنون ، وقرئ " يضعفها "بالتخفيف من أضعفه مثل أكرم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : من لدنه فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلق بـ " يؤت "و " من "للابتداء مجازا . والثاني : يتعلق بمحذوف على أنه حال من " أجرا "فإنه صفة نكرة في الأصل قدم عليها فانتصب حالا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية