الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
اللفظ الرابع قولنا علي ذمة الله قال مالك تلزم به الكفارة ومعنى ذمة الله تعالى التزامه لأن معنى الذمة في اللغة هو هذا ومنه عقد الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا وتقول العرب فلان يفي بذمته أي بما التزمه وخفر ذمة فلان إذا خانها وهذا كله راجع للإخبار عن الالتزام أو معناه .

وجاء في الحديث من قال كذا وكذا كان في ذمة الله أي أن الله تعالى التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره والتزام الله تعالى راجع إلى خبره فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي والذمة إلى الخبر والكل كلام نفسي فهما نوعان منه فافهم ذلك غير أن هذا المعنى يقتضي أن يكون القسم به وذمة الله بواو القسم فيكون صريحا في القسم لغة .

ويبقى إشكال الإضافة فيه من جهة أن ذمة الله تعالى تصدق المعنى القديم كما تقدم وتصدق أيضا بإضافة المعنى المحدث إليه تعالى باعتبار أنه شرعه لأن الذمة تارة تكون مأمورا بها وجوبا كعقد الجزية في بعض الصور وتارة لا يؤمر بها وجوبا بل ندبا كالتزام أنواع البر والإحسان وقد يخبرنا فيها من غير وجوب ولا ندب من قبله كالتزام الأثمان في البياعات والإجارة في الإجارات وعلى التقادير الثلاثة فهي مشروعة من قبله تعالى فتضاف إليه إضافة المشروعية كقولنا عبادة الله وطاعة الله وإذا احتملت الإضافة المعنيين لم يقض بأحدهما إلا بدليل منفصل وهذا الإشكال قائم فيما قاله مالك أيضا من قوله علي ذمة الله مضافا لعدم وجود أداة القسم .

وأما علي فإيجابها للكفارة مشكل إلا أن يكون هناك نقل عرفي من الإخبار إلى القسم ألا ترى أنه لو قال علي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر الله أو علي سمع الله لم يتجه إيجاب الكفارة لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم إجماعا والإنشاء العرفي بغير القسم لا يوجب كفارة فلا بد من النقل عن الخبر إلى إنشاء القسم وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة فتأمل هذه التنبيهات فالفقيه يحتاج إليها حاجة شديدة في الفقه والفتاوى والفروق وتحرير معاني الألفاظ [ ص: 34 ]

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( اللفظ الرابع علي ذمة الله إلى آخر ما قاله ) قلت والأظهر في هذا اللفظ وشبهه أنه إنشاء للقسم عرفا ولذلك رأى مالك فيه الكفارة والله تعالى أعلم [ ص: 34 ]



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( اللفظ الرابع ) قوله [ ص: 57 ] علي ذمة الله قال ابن الشاط رأى مالك فيه الكفارة نظرا لكونه وشبهه أي كعلي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر الله أو علي سمع الله إنشاء للقسم عرفا ا هـ .

قال الأصل وكذا تلزم الكفارة بقوله وذمة الله بواو القسم بل هذا وإن شارك قوله علي ذمة الله في عدم دلالة ذمة الله فيهما على خصوص الذمة القديمة بل على القدر المشترك بين الذمة القديمة والذمة الحادثة وذلك أن الذمة لغة الالتزام .

والالتزام إما قديم وهو إخباره تعالى بكلامه النفسي القديم بحفظ عبده من المكاره الذي عناه في حديث من قال كذا وكذا كان في ذمة الله أي أن الله التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره فإن التزام الله تعالى راجع إلى خبره فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي كما علمت وإما حادث وهو الذي شرعه الله تعالى لخلقه كعقد الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها مما أمر به وجوبا في بعض الصور وكالتزام أنواع البر والإحسان مما يؤمر به وجوبا بل ندبا وكالتزام الإنسان الأثمان في البياعات والأجر في الإجارات مما يرجع للإخبار عن الالتزام أو معناه من غير وجوب فيه ولا ندب ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعه لعباده .

وقد اتفق النحاة على أنها إضافة حقيقية إلا أن هذا بسبب أداة القسم التي هي حقيقة لغوية صريحة في إنشاء القسم أصرح عندي في الدلالة على إنشاء القسم بالذمة القديمة من قوله علي ذمة الله الذي رأى مالك فيه الكفارة لأنه إخبار بالتزام ما لا ينذر من الذمة القديمة والإخبار بذلك كذب فلا يصير [ ص: 58 ] موجبا للكفارة لولا ثبوت نقله وما أشبهه من نحو علي علم الله عرفا من الإخبار بالالتزام إلى إنشاء القسم وذلك لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم إجماعا والحمل على إنشاء القسم يتوقف على نقل الصيغة عن الخبر إليه وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة ا هـ .




الخدمات العلمية