الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6305 6683 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى: " من مات يجعل لله ندا أدخل النار". وقلت أخرى: من مات لا يجعل لله ندا أدخل الجنة . [انظر: 1238 - مسلم: 92 - فتح: 11 \ 566].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              أي: إذا كانت نيته لا يتكلم في شيء من أمر الدنيا، فلا حنث عليه إذا سبح.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال : المعنى عند العلماء في الحالف أن لا يتكلم اليوم أنه [ ص: 345 ] محمول على كلام الناس لا على التلاوة والتسبيح.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري : وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الكلام أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" وقال أبو سفيان : كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله [آل عمران: 64] وهذا والذي قبله أسلفتهما مسندين. وقال مجاهد : كلمة التقوى لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وروينا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في سبحان الله ... إلى آخره أنها الباقيات الصالحات.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن المسيب : قول العبد سبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق في الباب ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قل: لا إله إلا الله. كلمة أحاج لك بها عند الله" .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : "أشفع لك بها".

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أن الإيمان ينفع ما لم يغرغر .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، [ ص: 346 ] سبحان الله العظيم" وسيأتي آخر الصحيح.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث شقيق ، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى: "من مات يجعل لله ندا أدخل النار" وقلت أخرى: من مات لا يجعل لله ندا أدخل الجنة . وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              والند بكسر النون: المثل والنظير، وكذلك النديد.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأجمعوا أن الكلام محرم في الصلاة، وأن تلاوة القرآن فيها من القربات إلى الله -عز وجل- .

                                                                                                                                                                                                                              وقال زيد بن أرقم : لما نزلت: وقوموا لله قانتين [البقرة: 238] أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، فتراه نهى عن القراءة. وقال - عليه السلام -: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التهليل والتحميد (وتلاوة) القرآن" فحكم الذكر كله والتلاوة بغير حكم كلام الناس، والحالف إذا حلف أن لا يتكلم فإنما هو محمول عند العلماء على كلام الناس كما سلف، لا على الذكر والتلاوة، وهذا لا أعلم فيه خلافا إلا إذا نوى في يمينه ألا يقرأ، ولا يذكر الله فهو على نيته كما قال البخاري ، وأجمعوا أنه إذا حلف أن لا يتكلم (وتكلم) بالفارسية أو بأي لغة تكلم أنه حانث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 347 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ويشبه معنى هذا الباب إذا حلف أن لا يكلم رجلا فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا، فقال مالك : يحنث فيهما جميعا إلا أن يكون نبه على المشافهة، ثم ذكر أنه رجع بعد ذلك فقال: لا ينوي في الكتابة، أو أنه حلف ألا يرتجع الكتاب قبل وصوله فلا يحنث.

                                                                                                                                                                                                                              وحكى ابن أبي أويس أنه قال: الرسول أهون من الكتاب! لأن الكتاب لا يعلمه إلا هو وصاحبه، وإذا أرسل إليه رسولا علم ذلك الرسول.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكوفيون والليث والشافعي : لا يحنث فهو قول ابن أبي ليلى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : لا يحنث في الكتاب. واختلفوا إذا أشار إليه بالسلام، فقال مالك : يحنث، واحتج ابن حبيب في أن الإشارة بالسلام كلام بقوله تعالى لزكريا ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا [آل عمران: 41].

                                                                                                                                                                                                                              وقال عيسى ، عن ابن القاسم : ما أرى الإشارة بالسلام كلاما. وقال محمد بن عبد الحكم : لا يحنث في الإشارة بالسلام ولا في الرسول ولا في الكتاب; لأنه لم يكلمه في ذلك كله. واحتج أبو عبيد فقال: الكلام غير الخط والإشارة، وأصل هذا أن الله تعالى قال لزكريا : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا [آل عمران: 41] وقال في موضع آخر: فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا [مريم: 11] والرمز: الإشارة بالعين والحاجب. والوحي: الخط والإشارة، ويقال: كتب إليهم وأشار إليهم. وفي قصة مريم إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا [مريم: 26] ثم قال: فأشارت إليه فصار الإيماء والخط خارجين من معنى المنطق.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 348 ] واختلفوا: لو سلم على قوم هو فيهم، فقال مالك والكوفيون : يحنث. قال ابن القاسم ، عن مالك : علم أنه فيهم أو لم يعلم إلا أن يحاسبه. وقال الشافعي : لا يحنث إلا أن ينويه بالسلام. واحتج أبو عبيد لقول مالك والكوفيين فقال: ومما يبين أن السلام كلام أن إماما لو سلم من ركعتين متعمدا كان قاطعا لصلاته كما يقطعها المتكلم، وقد نهى الشارع عن الهجرة وأمر بإفشاء السلام، فبان بأمره هذا ونهيه عن هذا أنهما متضادان، وأن المسلم على صاحبه ليس بمهاجر، له ولو صلى ورآه فرد السلام عليه فقال ابن القاسم : لا يحنث; لأن رد السلام من سنة الصلاة وليس من معنى المكالمة، وقال ابن وهب : يحنث; لأنه كان قادرا أن يجتزئ بتسليمة عن يمينه وأخرى عن يساره ولا يرد على الإمام، وقالوا: لو تعايا ففتح على الحالف حنث، ولو كتب إليه المحلوف عليه، فروى عيسى وأبو زيد ، عن ابن القاسم أنه إذا قرأ كتابه حنث. وقال ابن حبيب : لا يحنث. وكذلك روى أصبغ ، عن ابن القاسم .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية