الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 230 ] أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين

                                                                                                                                                                                                ثنى " إنكم" للتوكيد ، وحسن ذلك ؛ لفصل ما بين الأول والثاني بالظرف ، ومخرجون : خبر عن الأول ، أو جعل : أنكم مخرجون مبتدأ ، و إذا متم : خبرا ، على معنى : إخراجكم إذا متم ، ثم أخبر بالجملة عن إنكم ، أو رفع أنكم مخرجون بفعل هو جزاء للشرط ؛ كأنه قيل : إذا متم وقع إخراجكم ، ثم أوقعت الجملة الشرطية خبرا عن إنكم ، وفي قراءة ابن مسعود : "أيعدكم إذا متم " .

                                                                                                                                                                                                قرئ : "هيهات " : بالفتح والكسر والضم ، كلها بتنوين وبلا تنوين ، وبالسكون على لفظ الوقف .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما توعدون هو المستبعد ، ومن حقه أن يرتفع بهيهات ؛ كما ارتفع في قوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                فهيهات هيهات العقيق وأهله



                                                                                                                                                                                                فما هذه اللام .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 231 ] قلت : قال الزجاج في تفسيره : البعد لما توعدون ، أو بعد لما توعدون فيمن نون ، فنزله منزلة المصدر ، وفيه وجه آخر : وهو أن يكون اللام : لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد ، كما جاءت اللام في : هيت لك : لبيان المهيت به .

                                                                                                                                                                                                هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه ، وأصله إن الحياة : إلا حياتنا الدنيا ، ثم وضع " هي " : موضع الحياة ؛ لأن الخبر يدل عليها ويبينها ، ومنه : هي النفس تتحمل ما حملت ، وهي العرب تقول ما شاءت ، والمعنى : لا حياة إلا هذه الحياة ؛ لأن " إن " : النافية دخلت على " هي " : التي في معنى : الحياة ، الدالة على الجنس فنفتها ، فوازنت " لا " : التي نفت ما بعدها نفي الجنس ، نموت ونحيا أي : يموت بعض ويولد بعض ، ينقرض قرن ويأتي قرن آخر ، ثم قالوا : ما هو إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه له ، وفيما يعدنا من البعث ، وما نحن بمصدقين .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية