الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                خرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث :

                                الحديث الأول :

                                655 687 - حدثنا أحمد بن يونس ، ثنا زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ، قال : دخلت على عائشة ، فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : بلى ؛ ثقل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( أصلى الناس ؟ ) فقلنا : لا ، يا رسول الله ، وهم ينتظرونك ، فقال : ( ضعوا لي ماء في المخضب ) ، قالت : ففعلنا ، فاغتسل ، فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق ، فقال : ( أصلى الناس ؟ ) قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي [ ص: 148 ] بالناس ، فأتاه الرسول ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس ، فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - : يا عمر ، صل بالناس ، فقال له عمر : أنت أحق بذلك ، فصلى أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر ، قال : ( أجلساني إلى جنبه ) ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، قال : فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد .

                                قال عبيد الله : فدخلت على عبد الله بن عباس ، فقلت : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هات ، فعرضت عليه حديثها ، فما أنكر منه شيئا ، غير أنه قال : أسمت لك الرجل الآخر الذي كان مع العباس ؟ قلت : لا ، قال : هو علي .

                                التالي السابق


                                هذا السياق من أتم ما روي عن عائشة في هذا الباب ، وقد تفرد به موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله ، وقد سبق ما قاله أبو حاتم الرازي في حديثه هذا ، وأنه مما يرتاب به ، ولعل فيه ألفاظا مدرجة .

                                والظاهر : أن ما ذكره في آخره : ( فجعل أبو بكر يصلي ) مدرج من قول بعض الرواة ، فلهذا قال فيه : ( قال ) ، ولم يقل : ( قالت ) ، فالظاهر أن عائشة لم تقل ذلك ، إنما قاله عبيد الله أو غيره كما تقدم ذلك من قول عروة ، زاده في حديثه عن عائشة .

                                وقوله : ( ذهب لينوء ) ، أي : ينهض بثقل ، من قولهم : نؤت بالحمل أنوء به إذا نهضت به .

                                [ ص: 149 ] وفي هذا الحديث من العلم مسائل كثيرة :

                                منها : أن الإمام إذا كان قريبا من المسجد وعرف عذره المانع له من الخروج إلى الصلاة ، فإنه ينتظر خروجه .

                                ومنها : أن المغمى عليه إذا أفاق فإنه يستحب له أن يغتسل ، وقد سبقت المسألة في ( الطهارة ) .

                                ومنها : أن المأمور بالصلاة بالناس له أن يأذن لغيره في الصلاة بهم ؛ فإن أبا بكر أذن لعمر .

                                ويؤخذ من هذا : أن الوكيل له أن يوكل فيما وكل فيه من غير إذن له في التوكيل، كما هو أحد قولي العلماء ، وإحدى الروايتين عن أحمد .

                                ومنها : جواز وقوف المأموم إلى جانب الإمام ، وإن كان وراءه صفوف ، وقد سبق الكلام على ذلك .

                                ومنها - وهو مقصود البخاري هاهنا - : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في هذه الصلاة ، وكان أبو بكر مؤتما به ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في هذه الصلاة ، وكان أبو بكر إلى جانبه قائما ، والناس وراءه قياما ، ولم يأمره بالجلوس ، وهذه الصلاة كانت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على نسخ أمره بالجلوس وراء الإمام إذا صلى جالسا ؛ لأن ذلك كان قبل هذا بغير شك .

                                وقد ذكره البخاري في آخر الباب عن أبي بكر الحميدي ، والحميدي أخذه عن الشافعي ، وسيأتي الكلام على ذلك بعد ذكر باقي أحاديث الباب إن شاء الله تعالى .



                                الخدمات العلمية