الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما جاء في نكاح المحدودين قال الله تبارك وتعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } ( قال الشافعي ) فاختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا والذي يشبهه عندنا والله أعلم ما قال ابن المسيب ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال هي منسوخة نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } فهي من أيامى المسلمين فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من الكتاب والسنة ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية إنها حكم بينهما ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية كانت على منازلهم رايات ( قال الشافعي ) رحمه الله : وروي من وجه آخر غير هذا عن عكرمة أنه قال لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك قال أبو عبد الله يذهب إلى قوله ينكح أي يصيب فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية فحرمن على الناس إلا من كان منهم زانيا أو مشركا فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المشركين وغير زناتهم [ ص: 159 ] وإن كن أسلمن فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول الله تعالى { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } .

( قال الشافعي ) والاختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زواني على من آمن زانيا كان أو عفيفا ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال ( قال الشافعي ) وليس فيما روي عن عكرمة " لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة " تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلما كان أو مشركا أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه ( قال الشافعي ) ومن قال هذا حكم بينهما فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب الله عز وجل الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخا ، وذلك قول الله عز وجل : { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله عز وجل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } فقد قيل إن هاتين الآيتين في مشركات أهل الأوثان وقد قيل في المشركات عامة ثم رخص منهن في حرائر أهل الكتاب ، ولم يختلف الناس فيما علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثني ولا كتابي ، وأن المشركة الزانية لا تحل لمسلم زان ولا غيره فإجماعهم على هذا المعنى في كتاب الله حجة على من قال هو حكم بينهما لأن في قوله إن الزانية المسلمة ينكحها الزاني أو المشرك وقد اعترف ماعز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد { حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا في الزنا فجلده وجلد امرأة } فلا نعلمه قال للزوج : هل لك زوجة فتحرم عليك إذا زنيت ولا يزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا بل يروى عنه صلى الله عليه وسلم { أن رجلا شكا من امرأته فجورا فقال طلقها فقال إني أحبها فقال استمتع بها } وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت وتذكر حدثها فقال عمر " انكحها نكاح العفيفة المسلمة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية