الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال مروان بن محمد : حدثنا محمد بن مهاجر ، حدثني أخي عمرو أن عمر بن عبد العزيز كان يلبس برد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأخذ قضيبه في يده يوم العيد .

                                                                                      وقال معرف بن واصل : رأيت عمر بن عبد العزيز قدم مكة ، وعليه ثوبان أخضران .

                                                                                      وقال الوليد بن أبي السائب : كان لعمر بن عبد العزيز جبة خز غبراء ، وجبة خز صفراء ، وكساء خز ، ثم ترك ذلك .

                                                                                      قال الواقدي : حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عمرو بن مهاجر : رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الأولى جالسا ، وبيده عصا قد عرضها على فخذه ، يزعمون أنها عصا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا فرغ من خطبته سكت ، ثم قام فخطب الثانية متوكئا عليها ، فإذا مل لم يتوكأ ، وحملها حملا فإذا دخل في الصلاة ، وضعها إلى جنبه .

                                                                                      وفي " الزهد " لابن المبارك ، أخبرنا إبراهيم بن نشيط ، حدثنا سليمان بن حميد ، عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع أنه دخل على فاطمة بنت عبد الملك [ ص: 136 ] فقال : ألا تخبريني عن عمر ؟ قالت ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا احتلام منذ استخلف .

                                                                                      قال يحيى بن حمزة : حدثنا عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز كان تسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين ، فإذا فرغ ، أطفأها وأسرج عليه سراجه .

                                                                                      وقال مالك : أتي عمر بن عبد العزيز بعنبرة ، فأمسك على أنفه مخافة أن يجد ريحها ، وعنه : أنه سد أنفه ، وقد أحضر مسك من الخزائن .

                                                                                      خالد بن مرداس : حدثنا الحكم بن عمر قال : كان لعمر ثلاثمائة حرسي وثلاثمائة شرطي ، فشهدته يقول لحرسه : إن لي عنكم بالقدر حاجزا وبالأجل حارسا ، من أقام منكم : فله عشرة دنانير ، ومن شاء ، فليلحق بأهله .

                                                                                      عمرو بن عثمان الحمصي : حدثنا خالد بن يزيد ، عن جعونة قال : دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال : يا أمير المؤمنين ! إن من قبلك كانت الخلافة لهم زينا ، وأنت زين الخلافة ، فأعرض عنه .

                                                                                      وعن عبد العزيز بن عمر : قال لي رجاء بن حيوة : ما أكمل مروءة أبيك ! سمرت عنده ، فعشي السراج ، وإلى جانبه وصيف نام ، قلت : ألا أنبهه ؟ .

                                                                                      قال : لا ، دعه ، قلت : أنا أقوم : قال : لا ، ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه ، فقام إلى بطة الزيت ، وأصلح السراج ، ثم رجع ، وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز .

                                                                                      وكان -رحمه الله- فصيحا مفوها ، فروى حماد بن سلمة ، عن رجاء [ ص: 137 ] الرملي ، عن نعيم بن عبد الله كاتب عمر بن عبد العزيز أن عمر قال : إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة .

                                                                                      جرير بن حازم ، عن مغيرة بن حكيم : قالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز : حدثنا مغيرة أنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر بن عبد العزيز ، وما رأيت أحدا أشد فرقا من ربه منه ، كان إذا صلى العشاء ، قعد في مسجده ، ثم يرفع يديه ، فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه ، ثم ينتبه ، فلا يزال يدعو رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه ، يفعل ذلك ليله أجمع .

                                                                                      ابن المبارك ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول : لو حلفت لصدقت ، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز .

                                                                                      قال النفيلي حدثنا النضر بن عربي قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز ، فكان ينتفض أبدا ، كأن عليه حزن الخلق .

                                                                                      الفسوي : حدثنا إبراهيم بن هشام الغساني حدثنا أبي عن جدي ، عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز : حدثني ، فحدثته ، فبكى بكاء شديدا ، فقلت : لو علمت لحدثتك ألين منه ، فقال إنا نأكل العدس ، وهي ما علمت مرقة للقلب ، مغزرة للدمعة ، مذلة للجسد .

                                                                                      حكام بن سلم ، عن أبي حاتم قال : لما مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب فقال : به داء ليس له دواء ، غلب الخوف على قلبه .

                                                                                      [ ص: 138 ] وعن عطاء قال : كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون .

                                                                                      وقيل : كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : إنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بغض إليك كل فان ، وحبب إليك كل باق والسلام .

                                                                                      ومن شعره :

                                                                                      من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا     ويألف الظل كي تبقى بشاشته
                                                                                      فسوف يسكن يوما راغما جدثا     في قعر مظلمة غبراء موحشة
                                                                                      يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا     تجهزي بجهاز تبلغين به
                                                                                      يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا



                                                                                      قال سعيد بن أبي عروبة : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله . ومما روي له :

                                                                                      ولا خير في عيش امرئ لم يكن له     من الله في دار القرار نصيب
                                                                                      فإن تعجب الدنيا أناسا فإنها     متاع قليل ، والزوال قريب

                                                                                      ومما روي له :

                                                                                      أيقظان أنت اليوم ؟ أم أنت نائم ؟     وكيف يطيق النوم حيران هائم
                                                                                      فلو كنت يقظان الغداة لخرقت     مدامع عينيك الدموع السواجم
                                                                                      تسر بما يبلى وتفرح بالمنى     كما اغتر باللذات في اليوم حالم
                                                                                      نهارك يا مغرور سهو وغفلة     وليلك نوم والردى لك لازم
                                                                                      وسعيك فيما سوف تكره غبه     كذلك في الدنيا تعيش البهائم

                                                                                      وعن وهيب بن الورد قال : كان عمر بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بهذه . [ ص: 139 ]

                                                                                      يرى مستكينا وهو للهو ماقت به     عن حديث القوم ما هو شاغله
                                                                                      وأزعجه علم عن الجهل كله     وما عالم شيئا كمن هو جاهله
                                                                                      عبوس عن الجهال حين يراهم     فليس له منهم خدين يهازله
                                                                                      تذكر ما يبقى من العيش آجلا     فأشغله عن عاجل العيش آجله



                                                                                      عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، سمع عمير بن هانئ يقول : دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي : كيف تقول في رجل رأى سلسلة دليت من السماء ، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتعلق بها ، فصعد ، ثم جاء أبو بكر فتعلق بها فصعد ، ثم جاء عمر ، فتعلق بها فصعد ، ثم جاء عثمان فتعلق بها ، فانقطعت ، فلم يزل حتى وصل ثم صعد ، ثم جاء الذي رأى هذه الرؤيا فتعلق بها فصعد ، فكان خامسهم . قال عمير : فقلت في نفسي هو هو ، ولكنه كنى عن نفسه ، قلت : يحتمل أن يكون الرجل عليا ، وما أمكن الرأي يفصح به لظهور النصب إذ ذاك .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية