الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وهيب : سمعت أيوب ، يقول : ما رأيت أحدا أعلم من الزهري ، فقال له صخر بن جويرية ، ولا الحسن البصري ؟ فقال : ما رأيت أحدا أعلم من الزهري .

                                                                                      الوليد بن مسلم : سمعت سعيد بن عبد العزيز ، يقول : ما كان إلا بحرا ، وسمعت مكحولا ، يقول : ابن شهاب ، أعلم الناس .

                                                                                      وقال ابن عيينة : سمعت أبا بكر الهذلي ، يقول وقد جالس الحسن وابن سيرين : لم أر مثل هذا قط . يعني : الزهري .

                                                                                      وقال العدني : قال ابن عيينة : كانوا يرون يوم مات الزهري ، أنه ليس أحد أعلم بالسنة منه . بقية : عن شعيب بن أبي حمزة ، قيل لمكحول : من أعلم من لقيت ؟ قال : ابن شهاب ، قيل : ثم من ؟ قال : ابن شهاب ، قيل : ثم من ؟ قال : ابن شهاب .

                                                                                      قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : بقي ابن شهاب ، وما له في الناس نظير . وقال معمر : كان الزهري في أصحابه كالحكم بن عتيبة في أصحابه . قال موسى بن إسماعيل : شهدت وهيبا ، وبشر بن المفضل وغيرهما ذكروا الزهري فلم يجدوا أحدا يقيسونه به إلا الشعبي .

                                                                                      قال علي بن المديني : أفتى أربعة : الحكم وحماد ، وقتادة ، والزهري ، والزهري عندي أفقههم .

                                                                                      [ ص: 337 ] قال سعيد بن عبد العزيز : جعل يزيد الزهري قاضيا مع سليمان بن حبيب . الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : الاعتصام بالسنة نجاة . روى يونس بن يزيد عنه نحوه .

                                                                                      وروى الأوزاعي عنه ، قال : أمروا أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاءت . الليث : عن جعفر بن ربيعة ، قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟ .

                                                                                      قال : أما أعلمهم بقضايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان ، وأفقههم فقها ، وأعلمهم بما مضى من أمر الناس ، فسعيد بن المسيب ، وأما أغزرهم حديثا فعروة ، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحرا إلا فجرته وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب ، فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه .

                                                                                      الحميدي : حدثنا سفيان ، قيل للزهري : لو أنك سكنت المدينة ، ورحت إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبره ، تعلم الناس منك ، قال : إنه ليس ينبغي أن أفعل حتى أزهد في الدنيا ، وأرغب في الآخرة ، ثم قال سفيان : ومن كان مثل الزهري ؟ .

                                                                                      قلت : كان -رحمه الله- محتشما جليلا بزي الأجناد له صورة كبيرة في دولة بني أمية .

                                                                                      روى الأوزاعي عن الزهري ، قال : إنما يذهب العلم النسيان ، وترك المذاكرة .

                                                                                      عبد الرزاق : سمعت عبيد الله بن عمر ، يقول : أردت أطلب العلم ، فجعلت آتي مشايخ آل عمر ، فأقول : ما سمعت من سالم ؟ فكلما أتيت رجلا منهم ، قال : عليك بابن شهاب ، فإنه كان يلزمه . قال : وابن شهاب يومئذ ، كان بالشام ، فلزمت نافعا فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا .

                                                                                      عنبسة عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : قال لي سعيد بن المسيب : ما مات من ترك مثلك .

                                                                                      [ ص: 338 ] مفضل بن فضالة ، عن عقيل ، قال : رأيت على خاتم ابن شهاب : محمد يسأل الله العافية .

                                                                                      إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا داود بن عبد الله ، سمعت مالكا يقول : كان ابن شهاب من أسخى الناس ، فلما أصاب تلك الأموال ، قال له مولى له وهو يعظه : قد رأيت ما مر عليك من الضيق ، فانظر كيف تكون ، أمسك عليك مالك ، قال : إن الكريم لا تحنكه التجارب .

                                                                                      نعيم بن حماد : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : القراءة على العالم والسماع منه سواء إن شاء الله .

                                                                                      قال عبيد الله بن عمر : دفعت إلى ابن شهاب كتابا نظر فيه فقال : اروه عني . إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني : حدثنا الفريابي ، سمعت الثوري ، يقول : أتيت الزهري فتثاقل علي ، فقلت له : أتحب لو أنك أتيت مشايخ ، فصنعوا بك مثل هذا ؟ فقال : كما أنت ، ودخل ، فأخرج إلي كتابا ، فقال : خذ هذا فاروه عني ، فما رويت عنه حرفا .

                                                                                      معمر ، عن الزهري ، قال : إعادة الحديث أشد من نقل الصخر .

                                                                                      عبد الوهاب بن عطاء : حدثنا الحسن بن عمارة ، قال : أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث ، فألفيته على بابه ، فقلت : إن رأيت أن تحدثني ، قال : أما علمت أني قد تركت الحديث ؟ فقلت : إما أن تحدثني ، وإما أن أحدثك ، فقال : حدثني ، فقلت : حدثني الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، سمع عليا -رضي الله عنه- يقول : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا ، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا . قال : فحدثني بأربعين حديثا .

                                                                                      قال يحيى بن سعيد القطان : مرسل الزهري شر من مرسل غيره ، لأنه حافظ ، وكل ما قدر أن يسمي سمى ، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه .

                                                                                      [ ص: 339 ] قلت : مراسيل الزهري كالمعضل ، لأنه يكون قد سقط منه اثنان ، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط ، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله ، ولو أنه يقول : عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن عد مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما ، فإنه لم يدر ما يقول ، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه .

                                                                                      أبو حاتم : حدثنا أحمد بن أبي شريح ، سمعت الشافعي ، يقول : إرسال الزهري ، ليس بشيء لأنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم .

                                                                                      زيد بن يحيى الدمشقي : حدثنا علي بن حوشب ، عن مكحول ، وذكر الزهري ، فقال : أي رجل هو لولا أنه أفسد نفسه بصحبة الملوك ، قلت : بعض من لا يعتد به لم يأخذ عن الزهري لكونه كان مداخلا للخلفاء ، ولئن فعل ذلك فهو الثبت الحجة . وأين مثل الزهري رحمه الله .

                                                                                      سلام بن أبي مطيع ، عن أيوب السختياني ، قال : لو كنت كاتبا عن أحد لكتبت عن ابن شهاب ، قلت : قد أخذ عنه أيوب قليلا . يعقوب السدوسي : حدثني الحلواني ، حدثنا الشافعي ، حدثنا عمي ، قال : دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك ، فقال : يا سليمان : من الذي تولى كبره منهم ؟ قال : عبد الله بن أبي ابن سلول ، قال : كذبت ، هو علي ، فدخل ابن شهاب ، فسأله هشام ، فقال : هو عبد الله بن أبي ، قال : كذبت هو علي ، فقال : أنا أكذب لا أبا لك ، فوالله لو نادى مناد من السماء ، إن الله أحل الكذب ما كذبت ، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص ، عن عائشة : أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ، قال : فلم يزل القوم يعرون به ، فقال له هشام : ارحل فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك ، قال : ولم ؟ أنا اغتصبتك على نفسي ، أو أنت اغتصبتني على نفسي ؟ فخل عني ، فقال له : لا . ولكنك استدنت ألفي ألف ، فقال : قد علمت ، وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك ، فقال هشام : إنا نهيج الشيخ . فأمر [ ص: 340 ] فقضى عنه ألف ألف فأخبر بذلك ، فقال : الحمد لله الذي هذا هو من عنده .

                                                                                      قال عمي : ونزل ابن شهاب بماء من المياه . فالتمس سلفا فلم يجد ، فأمر براحلته فنحرت ، ودعا إليها أهل الماء ، فمر به عمه فدعاه إلى الغداء ، فقال : يابن أخي : إن مروءة سنة تذهب بذل الوجه ساعة ، قال : يا عم انزل فاطعم ، وإلا فامض راشدا .

                                                                                      ونزل مرة بماء ، فشكا إليه أهل الماء ، أن لنا ثماني عشرة امرأة عمرية أي : لهن أعمار ليس لهن خادم ، فاستسلف ابن شهاب ثمانية عشر ألفا ، وأخدم كل واحدة خادما بألف .

                                                                                      قال سعيد بن عبد العزيز : قضى هشام عن الزهري سبعة آلاف دينار ، وقال : لا تعد لمثلها تدان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .

                                                                                      قال إسحاق بن الطباع ، عن مالك : قال الزهري : وجدنا السخي لا تنفعه التجارب .

                                                                                      يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي ، يقول : مر رجل تاجر بالزهري وهو بقريته ، والرجل يريد الحج ، فأخذ منه بأربعمائة دينار إلى أن يرجع من حجه ، فلم يبرح الزهري حتى فرقه ، فعرف الزهري في وجه التاجر الكراهية ، فلما رجع قضاه ، وأمر له بثلاثين دينارا ينفقها .

                                                                                      علي بن حجر : حدثنا الوليد الموقري ، قال : قيل للزهري : إنهم يعيبون عليك كثرة الدين ، قال : وكم ديني ؟ قيل : عشرون ألف دينار ، قال : ليس كثيرا وأنا مليء لي خمسة أعين كل عين منها ثمن أربعين ألف دينار . سويد بن سعيد : حدثنا ضمام ، عن عقيل بن خالد ، أن ابن شهاب كان [ ص: 341 ] يخرج إلى الأعراب يفقههم ، فجاء أعرابي وقد نفد ما بيده ، فمد الزهري يده إلى عمامتي فأخذها فأعطاه ، وقال : يا عقيل أعطيك خيرا منها .

                                                                                      أبو مسهر : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، قال : كنا نأتي الزهري بالراهب وهي محلة قبلي دمشق ، فيقدم لنا كذا وكذا لونا .

                                                                                      سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد قال : كان الزهري يحدث ثم يقول : هاتوا من أشعاركم وأحاديثكم ، فإن الأذن مجاجة وإن للنفس حمضة . معمر ، عن الزهري ، قال : إذا طال المجلس ، كان للشيطان فيه نصيب .

                                                                                      قال محمد بن إشكاب ، كان الزهري جنديا ، قلت : كان في رتبة أمير .

                                                                                      قال إسحاق المسيبي المقرئ ، عن نافع بن أبي نعيم أنه عرض القرآن على الزهري .

                                                                                      قلت : وكان الزهري يوصف بالعبادة ، فروى معن بن عيسى ، حدثني المنكدر بن محمد ، قال : رأيت بين عيني الزهري أثر السجود . قال الليث بن سعد : كان للزهري قبة معصفرة ، وعليه ملحفة معصفرة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية