الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) : لما ذكر تعالى من يعيب الرسول في قسم الصدقات بأنه يعطي من يشاء ويحرم من يشاء ، أو يخص أقاربه ، أو يأخذ لنفسه ما بقي ، وكانوا يسألون فوق ما يستحقون ، بين تعالى مصرف الصدقات ، وأنه إنما قسم على ما فرضه الله تعالى . ولفظة ( إنما ) إن كانت وضعت للحصر فالحصر مستفاد من لفظها ، وإن كانت لم توضع للحصر فالحصر مستفاد من الأوصاف ; إذ مناط الحكم بالوصف يقتضي التعليل به ، والتعليل بالشيء يقتضي الاقتصار عليه . والظاهر أن مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف . والظاهر أن العطف مشعر بالتغاير ، فتكون الفقراء غير المساكين . والظاهر بقاء هذا الحكم للأصناف الثمانية دائما ; إذ لم يرد نص في نسخ شيء منها . والظاهر أنه يعتبر في كل صنف منها ما دل عليه لفظه إن كان موجودا ، والخلاف في كل شيء من هذه الظواهر . فأما أن مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف ، فذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أنه يجوز أن يقتصر على بعض هؤلاء الأصناف ، ويجوز أن يصرف إلى جميعها . فمن الصحابة : عمر ، وعلي ، ومعاذ ، وحذيفة ، وابن عباس ، ومن التابعين النخعي ، وعمر بن [ ص: 58 ] عبد العزيز ، وأبو العالية ، وابن جبير ، قالوا : في أي صنف منها وضعتها أجزأتك . قال ابن جبير : لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فخيرتهم بها كان أحب إلي . قال الزمخشري : وعليه مذهب أبي حنيفة . قال غيره : وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر ، ومالك . وقال جماعة من التابعين : لا يجوز الاقتصار على أحد هذه الأصناف ، منهم : زين العابدين علي بن الحسين ، وعكرمة ، والزهري ، بل يصرف إلى الأصناف الثمانية . وقد كتب الزهري لعمر بن عبد العزيز : يفرقها على الأصناف الثمانية ، وهو مذهب الشافعي ، قال : إلا المؤلفة ، فإنهم انقطعوا . وأما أن الفقراء غير المساكين ، فذهب جماعة من السلف إلى أن الفقير والمسكين سواء ، لا فرق بينهما في المعنى ، وإن افترقا في الاسم ، وهما صنف واحد سمي باسمين ليعطى سهمين نظرا لهم ورحمة . قال في التحرير : وهذا هو أحد قولي الشافعي . وذهب الجمهور إلى أنهما صنفان يجمعهما الإقلال والفاقة ، واختلفوا فيما به الفرق . فقال الأصمعي وغيره ، منهم أحمد بن حنبل ، وأحمد بن عبيد : الفقير أبلغ فاقة . وقال غيره ، منهم أبو حنيفة ، ويونس بن حبيب ، وابن السكيت ، وابن قتيبة : المسكين أبلغ فاقة ; لأنه لا شيء له . والفقير من له بلغة من الشيء . وقال الضحاك : الفقراء هم من المهاجرين ، والمساكين من لم يهاجر . وقال النخعي نحوه . وقال عكرمة : الفقراء من المسلمين ، والمساكين من أهل الذمة . لا نقول لفقراء المسلمين مساكين . وروي عنه بالعكس حكاه مكي . وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر : الفقير من لا مال له ولا حرفة ، سائلا كان أو متعففا ، والمسكين الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلا كان أو غير سائل . وقال قتادة : الفقير الزمن المحتاج ، والمسكين الصحيح المحتاج . وقال ابن عباس : والحسن ، ومجاهد ، والزهري ، وابن زيد ، وجابر بن زيد ، والحكم ، ومقاتل ، ومحمد بن مسلمة : المساكين الذين يسعون ويسألون ، والفقراء هم الذين يتعاونون .

وأما بقاء الحكم للأصناف الثمانية فذهب عمر بن الخطاب ، والحسن ، والشعبي ، وجماعة : إلى أنه انقطع صنف المؤلفة بعزة الإسلام وظهوره ، وهذا مشهور مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، قال بعض الحنفيين : أجمعت الصحابة على سقوط سهمهم في خلافة أبي بكر لما أعز الله الإسلام وقطع دابر الكافرين . وقال القاضي عبد الوهاب : إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقات . وقال كثير من أهل العلم : المؤلفة قلوبهم موجودون إلى يوم القيامة . قال ابن عطية : وإذا تأملت الثغور وجدت فيها الحاجة إلى الائتلاف . انتهى . وقال يونس : سألت الزهري عنهم فقال : لا أعلم نسخا في ذلك . قال أبو جعفر النحاس : فعلى هذا الحكم فيهم ثابت ، فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة أو يرجى حسن إسلامه بعد دفع إليه . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : الذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا ، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم . فإن في الصحيح : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ " . وفي كتاب التحرير قال الشافعي : العامل والمؤلفة قلوبهم مفقودان في هذا الزمان . بقيت الأصناف الستة ، فالأولى صرفها إلى الستة . وأما أنه يعتبر في كل صنف منها ما دل عليه لفظه إن كان موجودا فهو مذهب الشافعي ، ذهب إلى أنه لا بد في كل صنف من ثلاثة ; لأن أقل الجمع ثلاثة ، فإن دفع سهم الفقراء إلى فقيرين ضمن نصيب الثالث وهو ثلث سهم . وقال أصحاب أبي حنيفة : يجوز أن يعطي جميع زكاته مسكينا واحدا . وقال مالك : لا بأس أن يعطي الرجل زكاة الفطر عن نفسه وعياله واحدا ، واللام في للفقراء ، قيل : للملك ، وقيل : للاختصاص .

والظاهر عموم الفقراء والمساكين ، فيدخل فيه الأقارب والأجانب وكل من اتصف بالفقر والمسكنة . فأما ذوو قربى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أصحاب أبي حنيفة : تحرم عليهم [ ص: 59 ] الصدقة ؛ منهم آل العباس ، وآل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل الحرث بن عبد المطلب . وروي عن أبي حنيفة وليس بالمشهور أن فقراء بني هاشم يدخلون في آية الصدقة . وقال أبو يوسف : لا يدخلون . قال أبو بكر الرازي : المشهور عن أصحابنا أنهم من تقدم من آل العباس ومن ذكر معهم ، ويخص التحريم الفرض لا صدقة التطوع . وقال مالك : لا تحل الزكاة لآل محمد ، ويحل التطوع . وقال الثوري : لا تحل لبني هاشم ، ولم يذكر فرقا بين النفل والفرض . وقال الشافعي : تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني المطلب ، وتجوز صدقة التطوع على كل أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان لا يأخذها . وقال ابن الماجشون ، ومطرف ، وأصبغ ، وابن حبيب : لا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة ، ولا من التطوع . وقال مالك في الواضحة : لا يعطى آل محمد من التطوع .

وأما أقارب المزكي فقال أصحاب أبي حنيفة : لا يعطى منها والد وإن علا ، ولا ابن وإن سفل ، ولا زوجة . وقال مالك ، والثوري ، والحسن بن صالح ، والليث : لا يعطي من تلزمه نفقته . وقال ابن شبرمة : لا يعطي قرابته الذين يرثونه ، وإنما يعطي من لا يرثه وليس في عياله . وقال الأوزاعي : لا يتخطى بزكاة ماله فقراء أقاربه إذا لم يكونوا من عياله ، ويتصدق على مواليه من غير زكاة ماله . وقالمالك ، والثوري ، وابن شبرمة ، والشافعي ، وأصحاب أبي حنيفة : لا يعطى الفرض من الزكاة . وقال عبيد الله بن الحسن : إذا لم يجد مسلما أعطى الذمي ، فكأنه يعني الذمي الذي هو بين ظهرانيهم . وقال مالك وأبو حنيفة : لا تعطي الزوجة زوجها من الزكاة . وقال الثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد : تعطيه ، واختلفوا في المقدار الذي إذا ملكه الإنسان دخل به في حد الغنى وخرج عن حد الفقر وحرمت عليه الصدقة . فقال قوم : إذا كان عند أهله ما يغديهم ويعشيهم حرمت عليه الصدقة ، ومن كان عنده دون ذلك حلت له . وقال قوم : حتى يملك أربعين درهما ، أو عدلها من الذهب . وقال قوم : حتى تملك خمسين درهما أو عدلها من الذهب ، وهذا مروي عن علي ، وعبد الله ، والشعبي . قال مالك : حتى تملك مائتي درهم أو عدلها من عرض أو غيره فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وأثاث وفرش ، وهو قول أصحاب أبي حنيفة . فلو دفعها إلى من ظن أنه فقير فتبين أنه غني ، أو تبين أن المدفوع إليه أبوه أو ذمي ، ولم يعلم بذلك وقت الدفع فقال أبو حنيفة ومحمد : يجزئه . وقال أبو يوسف : لا يجزئه .

والعامل هو الذي يستنيبه الإمام في السعي في جميع الصدقات ، وكل من يصرف ممن لا يستغنى عنه فيها فهو من العاملين ، ويسمى جابي الصدقة والساعي ، قال :


إن السعاة عصوك حين بعثتهم لم يفعلوا مما أمرت فتيلا



وقال :


سعى عقالا فلم يترك لنا سيدا     فكيف لو قد سعى عمرو عقالين



أراد بالعقال هنا زكاة السنة ، وتعدى بعلى ولم يقل فيها ; لأن على للاستعلاء المشعر بالولاية . والجمهور على أن للعامل قدر سعيه ، ومؤنته من مال الصدقة . وبه قال مالك والشافعي في كتاب ابن المنذر ، وأبو حنيفة وأصحابه . فلو تجاوز ذلك من الصدقة ، فقيل : يتم له من سائر الأنصباء . وقيل : من خمس الغنيمة . وقال مجاهد ، والضحاك ، والشافعي : هو الثمن على قسم القرآن . وقال مالك من رواية ابن أبي أويس ، وداود بن سعيد عنه : يعطون من بيت المال .

واختلف في الإمام ، هل له حق في الصدقات ؟ فمنهم من قال : هو العامل في الحقيقة ، ومنهم من قال : لا حق له فيها . والجمهور على أن أخذها مفوض للإمام ومن استنابه ، فلو فرقها المزكي بنفسه دون إذن الإمام أخذها منه ثانيا . وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يعمل على الصدقة أحد من بني هاشم ويأخذ عمالته منها ، فإن تبرع فلا خلاف بين أهل [ ص: 60 ] العلم في جوازه . وقال آخرون : لا بأس لهم بالعمالة من الصدقة . وقيل : إن عمل أعطيها من الخمس .

والمؤلفة قلوبهم أشراف العرب ، مسلمون لم يتمكن الإيمان من قلوبهم ، أعطاهم ليتمكن الإيمان من قلوبهم ، أو كفار لهم أتباع أعطاهم ليتألفهم وأتباعهم على الإسلام . قال الزهري : المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنيا ، فمن المؤلفة : أبو سفيان بن حرب ، وسهيل بن عمرو ، والحرث بن هشام ، وحويطب بن عبد العزى ، وصفوان بن أمية ، ومالك بن عوف النضري ، والعلاء بن حارثة الثقفي ، فهؤلاء أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم مائة بعير مائة بعير . ومخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو العابدي ، أعطاهم دون المائة . ومن المؤلفة : سعيد بن يربوع ، والعباس بن مرداس ، وزيد الخيل ، وعلقمة بن علاثة ، وأبو سفيان الحرث بن عبد المطلب ، وحكيم بن حزام ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسعيد بن عمرو ، وعيينة بن حصن . وحسن إسلام المؤلفة حاشا عيينة فلم يزل مغموصا عليه .

وأما قوله ( وفي الرقاب ) فالتقدير : وفي فك الرقاب فيعطي ما حصل به فك الرقاب من ابتداء عتق يشتري منه العبد فيعتق ، أو تخليص مكاتب أو أسير . وقال النخعي ، والشعبي ، وابن جبير ، وابن سيرين : لا يجزئ أن يعتق من الزكاة رقبة كاملة ، وهو قول أصحاب أبي حنيفة ، والليث ، والشافعي . وقال ابن عباس ، وابن عمر : أعتق من زكاتك . وقال ابن عمر ، والحسن ، وأحمد ، وإسحاق : يعتق من الزكاة ، وولاؤه لجماعة المسلمين لا للمعتق . وعن مالك ، والأوزاعي : لا يعطى المكاتب من الزكاة شيئا ، ولا عبد كان مولاه موسرا أو معسرا . وعن ابن عباس ، والحسن ، ومالك : هو ابتداء العتق وعون المكاتب بما يأتي على حريته . والجمهور على أن المكاتبين يعانون في فك رقابهم من الزكاة . ومذهب أبي حنيفة وابن حبيب : أن فك رقاب الأسارى يدخل في قوله : ( وفي الرقاب ) ، فيصرف في فكاكها من الزكاة . وقال الزهري : سهم الرقاب نصفان : نصف للمكاتبين ، ونصف يعتق منه رقاب مسلمون ممن صلى .

والغارم : من عليه دين ، قاله ابن عباس ، وزاد مجاهد ، وقتادة : في غير معصية ولا إسراف . والجمهور على أنه يقضي منها دين الميت إذ هو غارم . وقال أبو حنيفة وابن المواز : لا يقضى منها . وقال أبو حنيفة : ولا يقضى منها كفارة ونحوها من صنوف الله تعالى ، وإنما الغارم من عليه دين يحبس فيه . وقيل : يدخل في الغارمين من تحمل حمالات في إصلاح وبر وإن كان غنيا إذا كان ذلك يجحف بماله ، وهو قول الشافعي ، وأصحابه ، وأحمد .

( وفي سبيل الله ) هو المجاهد يعطى منها إذا كان فقيرا . والجمهور على أنه يعطى منها وإن كان غنيا ما ينفق في غزوته . وقال الشافعي ، وأحمد ، وعيسى بن دينار ، وجماعة : لا يعطى الغني إلا إن احتاج في غزوته ، وغاب عنه وفره . قال أبو حنيفة ، وصاحباه : لا يعطى إلا إذا كان فقيرا أو منقطعا به ، وإذا أعطي ملك ، وإن لم يصرفه في غزوته . وقال ابن عبد الحكم : ويجعل من الصدقة في الكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة ; لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته . والجمهور على أنه يجوز الصرف منها إلى الحجاج والمعتمرين وإن كانوا أغنياء . وقال الزمخشري : وفي سبيل الله فقراء الغزاة والحجيج المنقطع بهم انتهى . والذي يقتضيه تعداد هذه الأوصاف أنها لا تتداخل ، واشتراط الفقر في بعضها يقضي بالتداخل . فإن كان الغازي أو الحاج شرط إعطائه الفقر ، فلا حاجة لذكره ; لأنه مندرج في عموم الفقراء ، بل كل من كان بوصف من هذه الأوصاف جاز الصرف إليه على أي حال كان من فقر أو غنى ; لأنه قام به الوصف الذي اقتضى الصرف إليه . قال ابن عطية : ولا يعطى منها في بناء مسجد ، ولا قنطرة ، ولا شراء مصحف انتهى . وابن السبيل : قال ابن عباس : هو عابر السبيل . وقال قتادة في آخرين : هو الضيف . وقال جماعة : [ ص: 61 ] هو المسافر المنقطع به وإن كان له مال في بلده . وقالت جماعة : هو الحاج المنقطع . وقال الزجاج : هو الذي قطع عليه الطريق . وفي كتاب سحنون قال مالك : إذا وجد المسافر المنقطع به من يسلفه لم يجز له أن يأخذ من الصدقة ، والظاهر الصرف إليه . وإن كان له ما يغنيه في طريقه ; لأنه ابن سبيل ، والمشهور أنه إذا كان بهذا الوصف لا يعطى . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم عدل عن اللام إلى ( في ) في الأربعة الأخيرة ؟ ( قلت ) : للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ; لأن ( في ) للوعاء ، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبا ، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أوالرق أو الأسر ، وفي فك الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة ، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال . وتكرير ( في ) في قوله تعالى : ( وفي سبيل الله وابن السبيل ) ، فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين . ( فإن قلت ) : فكيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكائدهم ؟ ( قلت ) : دل بكون هذه الأوصاف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم حسما لإطعامهم وإشعارا باستيجابهم الحرمان ، وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها ، فما لهم ولها ، وما سلطهم على الكلام لها ولمن قاسمها ، وانتصب ( فريضة ) ; لأنه في معنى المصدر المؤكد ; لأن قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء ) ، معناه فرض من الله الصدقات لهم . وقرئ فريضة بالرفع على : تلك فريضة انتهى . وقال الكرماني ، وأبو البقاء : ( فريضة ) حال من الضمير في ( للفقراء ) ; أي مفروضة . قال الكرماني : كما تقول : هي لك طلقا انتهى . وذكر عن سيبويه أنها مصدر ، والتقدير : فرض الله الصدقات فريضة . وقال الفراء : هي منصوبة على القطع . ( والله عليم حكيم ) ; لأن ما صدر عنه هو عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة ، أو عليم بمقادير المصالح ، حكيم لا يشرع إلا ما هو الأصلح .

التالي السابق


الخدمات العلمية