الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني والتسعون في وفود النخع إليه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن أشياخ من النخع قالوا : بعثت النخع رجلين منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وافدين بإسلامهم : أرطأة بن شراحيل بن كعب بن بني حارثة بن سعد بن مالك بن النخع ، والجهيش واسمه الأرقم من بني بكر بن عوف بن النخع . فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض عليهما الإسلام فقبلاه وبايعاه على قومهما ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنهما وحسن هيئتهما ، فقال : «هل خلفتما وراءكما قومكما مثلكما ؟ » فقالا : يا رسول الله ، قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا ، وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ما يشاركوننا في الأمر إذا كان .

                                                                                                                                                                                                                              فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومهما بخير وقال : «اللهم بارك في النخع » .

                                                                                                                                                                                                                              وعقد لأرطأة لواء على قومه ، فكان في يده يوم الفتح ، وشهد به القادسية ، فقتل يومئذ فأخذه أخوه دريد فقتل رحمهما الله فأخذه سيف بن الحارث من بني جذيمة فدخل به الكوفة
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع ، أو قال : يثني عليهم ، حتى تمنيت أني رجل منهم . رواه الإمام أحمد برجال ثقات ، والبزار والطبراني .

                                                                                                                                                                                                                              قصة أخرى : قال محمد بن عمر الأسلمي : كان آخر من قدم من الوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد النخع ، وقدموا من اليمن للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة ، وهم مائتا رجل ، فنزلوا دار رملة بنت الحدث ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام ، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن ، فكان فيهم زرارة بن عمرو . قال : أخبرنا هشام بن محمد هو زرارة بن قيس ابن الحارث بن عدي ، وكان نصرانيا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن شاهين من طريق أبي الحسن المدائني عن شيوخه ، ومن طريق ابن الكلبي قال : حدثني رجل من جرم عن رجل منهم قال : وفد رجل من النخع يقال له زرارة بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني رأيت في سفري هذا رؤيا هالتني ، وفي رواية : رأيت عجبا . قال : «وما رأيت ؟ » قال : رأيت أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جديا أسفع أحوى . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل لك من أمة تركتها مصرة حملا ؟ » قال : نعم تركت أمة لي أظنها قد حملت قال : «فإنها قد ولدت غلاما وهو ابنك» . فقال : يا رسول الله ، ما باله أسفع أحوى ؟ قال : «ادن مني» فدنا منه . فقال : «هل بك برص تكتمه ؟ » قال : والذي بعثك بالحق نبيا [ ص: 424 ] ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرك . قال : «فهو ذلك» . قال : يا رسول الله ، ورأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان ودملجان ومسكتان . قال : «ذلك ملك العرب عاد إلى أحسن زيه وبهجته» . قال : يا رسول الله ، ورأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض قال : «تلك بقية الدنيا» . قال : ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له عمرو ، ورأيتها تقول : لظى لظى ، بصير وأعمى ، أطعموني آكلكم آكلكم أهلككم ومالكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «تلك فتنة في آخر الزمان» . قال : وما الفتنة يا رسول الله ؟ قال : «يقتل الناس إمامهم ثم يشتجرون اشتجار أطباق الرأس وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه- يحسب المسيء أنه محسن ودم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء ، إن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك» . فقال : يا رسول الله ، ادع الله ألا أدركها . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم لا يدركها» . فمات وبقي ابنه ، وكان ممن خلع عثمان رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              النخع : بفتح النون والخاء المعجمة وبالعين المهملة .

                                                                                                                                                                                                                              أرطاة : بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فطاء مهملة فألف فتاء تأنيث .

                                                                                                                                                                                                                              الأتان : بفتح الهمزة ففوقية فألف فنون : الأنثى من الحمر .

                                                                                                                                                                                                                              المسكة : بفتح الميم والسين المهملة والكاف فتاء تأنيث : السوار والخلاخيل من الذبل وهي قرون الأوعال قاله ابن سيده . [ ص: 425 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية