الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين

الصراط المستقيم يريد به في هذه الآية طريق الشرع والنبوءة المؤدي إلى الله تعالى، وقد تقدم القول في مثل قوله: وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون .

وإلياس نبي من أنبياء الله تعالى، قال قتادة ، وابن مسعود : هو إدريس عليه السلام، وقال الطبري : هو إلياس بن ياسين، بن فنحاص، بن العيزار، بن هارون، بن عمران . وقالت فرقة: هو من ولد هارون عليه السلام. وقرأ جمهور القراء: "وإن إلياس" بهمزة مكسورة، وهو اسم، وقرأ ابن عامر ، وابن محيصن. وعكرمة ، والحسن ، والأعرج : "وإن الياس" بغير همز وبصلة الألف، وذلك يتجه على أحد وجهين: إما أن يكون حذف الهمزة، كما حذفها ابن كثير من قوله: [إنها لحدى الكبر]، أراد: لإحدى، فنزل المنفصل منزلة المتصل، كما قد ينزل في كثير من الأمور، وإما أن يجعلها الألف التي تصحب اللام للتعريف، كاليسع، وفي مصحف أبي بن كعب : "وإن إيليس" بألف مكسورة الهمزة وياء ساكنة بعدها وسين مفتوحة، وكذلك فيه: [سلام على إيليس]، وقرأ نافع ، وابن عامر ، "سلام على آل ياسين" ، وقرأ الباقون: "سلام على إلياسين" بألف مكسورة ولام ساكنة، وجعلها الحسن، وأبو رجاء موصولة، فوجه الأولى أنها - فيما [ ص: 307 ] يزعمون - مفصولة في المصحف، فدل ذلك على أنها بمعنى "أهل" و"ياسين" اسم أيضا لإلياس، وقيل: هو اسم لمحمد صلى الله عليه وسلم، ووجه الثانية أنه جمع إلياسي، كما قالوا: أعجمي أعجميون، قال أبو علي : والتقدير: إلياسيين، فحذف كما حذف من أعجميين، ونحوه من الأشعريين والنميريين والمهلبيين، ونحوه. وحكى أبو عمرو أن مناديا نادى يوم الكلاب: هلك اليزيديون، ويروى قول الشاعر:


قدني من نصر الخبيبين قدي



بكسر الباء الثانية، نسبة إلى أبي خبيب . ويقال: سمي كل واحد من آل ياسين إلياس، كما قالوا: شابت مفارقه، فسمي كل جزء من المفرق مفرقا، ومنه قولهم: "جمل ذو عثانين" ، وعلى هذا أنشد ابن جني :


مرت بنا أول من أموس ...     تميس فينا مشية العروس



[ ص: 308 ] فسمي كل جزء من أمس أمسا، ثم جمع. وقال أبو عبيدة : لم يسلم على آل أحد من الأنبياء المذكورين قبل، فلذلك ترجح قراءة من قرأ: "إلياسين" إذ هو اسم واحد له. وقرأ ابن مسعود . والأعمش : "وإن إدريس لمن المرسلين" و "سلام على إدراسين"، وهي لغة في "إدريس" كإبراهيم وإبراهام.

وقوله" "أتدعون" معناه: أتعبدون؟ و"البعل": الرب بلغة اليمن، قاله عكرمة ، وقتادة . وسمع ابن عباس رضي الله عنهما رجلا ينشد ضالة، فقال له آخر: أنا بعلها، فقال ابن عباس : الله أكبر أتدعون بعلا . وقال الضحاك ، وابن زيد ، والحسن : البعل اسم صنم كان لهم، وله يقال: بعل بك، وإليه نسب الناس، وذكر ابن إسحاق عن فرقة أن "بعلا" اسم امرأة كانت أتتهم بضلالة. وقوله: أحسن الخالقين من حيث قيل للإنسان على التجوز: إنه يخلق، وجب أن يكون تعالى أحسن الخالقين; إذ خلقه اختراع وإيجاد من عدم، وخلق الإنسان مجاز، كما قال الشاعر:


ولأنت تفري ما خلقت وبع...     ض القوم يخلق ثم لا يفري



التالي السابق


الخدمات العلمية