الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير

                                                                                                                                                                                                                                        يخبر تعالى عن الفضيحة والخزي الذي يصيب الكافرين، وسؤالهم الرجعة، والخروج من النار، وامتناع ذلك عليهم وتوبيخهم، فقال: إن الذين كفروا أطلقه ليشمل أنواع الكفر كلها، من الكفر بالله، أو بكتبه، أو برسله، أو باليوم الآخر، حين يدخلون النار، ويقرون أنهم مستحقونها، لما فعلوه من الذنوب والأوزار، فيمقتون أنفسهم لذلك أشد المقت، ويغضبون عليها غاية الغضب، فينادون عند ذلك، ويقال لهم: لمقت الله أي: إياكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أي: حين دعتكم الرسل وأتباعهم إلى الإيمان، وأقاموا لكم من البينات ما تبين به الحق، فكفرتم وزهدتم في الإيمان الذي خلقكم الله له، وخرجتم من رحمته الواسعة، فمقتكم وأبغضكم، فهذا أكبر من مقتكم أنفسكم أي: فلم يزل هذا المقت مستمرا عليكم، والسخط من الكريم حالا بكم، حتى آلت بكم الحال إلى ما آلت، فاليوم حل عليكم غضب الله وعقابه حين نال المؤمنون رضوان الله وثوابه.

                                                                                                                                                                                                                                        فتمنوا الرجوع و قالوا ربنا أمتنا اثنتين يريدون الموتة الأولى وما بين النفختين على ما قيل أو العدم المحض قبل إيجادهم، ثم أماتهم بعدما أوجدهم، وأحييتنا اثنتين الحياة الدنيا والحياة الأخرى، فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج [ ص: 1540 ] من سبيل أي: تحسروا وقالوا ذلك، فلم يفد ولم ينجع، ووبخوا على عدم فعل أسباب النجاة، فقيل لهم: ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده أي: إذا دعي لتوحيده، وإخلاص العمل له، ونهى عن الشرك به كفرتم به واشمأزت لذلك قلوبكم ونفرتم غاية النفور.

                                                                                                                                                                                                                                        وإن يشرك به تؤمنوا أي: هذا الذي أنزلكم هذا المنزل وبوأكم هذا المقيل والمحل، أنكم تكفرون بالإيمان، وتؤمنون بالكفر، ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا والآخرة، وتكرهون ما هو خير وصلاح في الدنيا والآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                        تؤثرون سبب الشقاوة والذل والغضب وتزهدون بما هو سبب الفوز والفلاح والظفر وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا

                                                                                                                                                                                                                                        فالحكم لله العلي الكبير العلي: الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر ومن علو قدره، كمال عدله تعالى، وأنه يضع الأشياء مواضعها، ولا يساوي بين المتقين والفجار.

                                                                                                                                                                                                                                        الكبير الذي له الكبرياء والعظمة والمجد، في أسمائه وصفاته وأفعاله، المتنزه عن كل آفة وعيب ونقص، فإذا كان الحكم له تعالى، وقد حكم عليكم بالخلود الدائم، فحكمه لا يغير ولا يبدل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية