الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب قتال البغاة والخوارج عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة .

                                                            التالي السابق


                                                            باب قتال البغاة والخوارج

                                                            الحديث الأول .

                                                            عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة .

                                                            (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) اتفق عليه الشيخان من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام .

                                                            (الثانية) فيه علم من أعلام النبوة لوقوع ذلك كما أخبر به ، والمراد بالفئتين العظيمتين فئة علي ومعاوية رضي الله عنهما ، وقوله دعواهما واحدة أي دينهما واحد إذ الكل مسلمون يدعون بدعوى الإسلام عند الحرب ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويحتمل أن يكون المراد بكون دعواهما واحدة أن كلا منهما يقول إنه ناصر للحق طالب له ذاب عن الدين فالقائمون مع علي رضي الله عنه هم المصيبون القائمون بنصرة من تجب نصرته لكونه أفضل الخلق ذلك الوقت ، وأحقهم بالإمامة مع تقدم بيعته من أهل الحل والعقد بدار الهجرة ، والقائمة مع معاوية رضي الله عنه تأولوا وجوب القيام بتغيير المنكر في صلب قتلة عثمان رضي الله عنه الذين في عسكر علي ، وأنهم لا يعطون بيعة ، ولا يعدون إمامة حتى يعطو ذلك ، ولم ير هو رفعهم إذ الحكم فيهم للإمام ، ولأنهم لم يعينوا أحدا [ ص: 278 ] بل طلبوا ذلك على الاتهام ، ولا معنى لوقوف محمد بن جرير الطبري عن تعيين المحق من الفئتين مع قوله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارا الفئة الباغية ، ومن هذا بوب المصنف رحمه الله على هذا الحديث فقال (البغاة) لما بيناه من مذهب أهل الحق أن الفئة المقاتلة لعلي هي الباغية ، وإن كانت متأولة طالبة للحق في ظنها غير مذمومة بل مأجورة على الاجتهاد ، ولا سيما الصحابة منهم فإن الواجب تحسين الظن بهم ، وأن يتأول لهم ما فعلوه بحسب ما يليق بفضلهم ، وما عهدناه من حسن مقصدهم ثم إن عدالتهم قطعية لا تزول بملابسة شيء من الفتن ، والله أعلم .

                                                            (الثالثة) لم يتعرض في الحديث لحكم هذا القتال ، وإنما أخبر بوقوعه خاصة ، وقد اختلف العلماء في ذلك فقالت طائفة لا يقاتل في فتن المسلمين ، وإن دخلوا عليه بيته ، وطلبوا قتله ، ولا يجوز له المدافعة عن نفسه لأن الطالب متأول ، وهذا مذهب أبي بكر رضي الله عنه وغيره ، وقال ابن عمر وعمران بن حصين لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه وهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن الإسلام ، وقال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء المسلمين يجب نصر الحق في الفتن والقيام معه ومقاتلة الباغين كما قال الله تعالى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله هذا هو الصحيح والأحاديث الدالة على منع المقاتلة محمولة على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما ، ولو كان الأمر كما قال الأولون لظهر الفساد ، واستطال أهل البغي والمبطلون ، والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية