الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء


              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد بن الحمال ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا عبد الله بن صالح ، قال : سمعت محمد بن اليمان ، يقول : " كتب إلي رجل من إخواني من أهل بغداد : صف لي الدنيا ، فكتبت إليه : أما بعد فإنه حفها بالشهوات ، وملأها بآفات ، مزج حلالها بالمؤونات وحرامها بالتبعات ، حلالها حساب وحرامها عذاب والسلام .

              حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن المفضل ، ثنا محمد بن محمد بن عبد الخالق ، سمعت عبد الوهاب الوراق ، يقول : قال ابن السماك : الناس عندنا ثلاثة : زاهد ، وراغب ، وصابر ، فأما الزاهد فلا يفرح بما يؤتى منها ولا يحزن على ما فاته منها ، والصابر القلب منها مثلان فهو في الظاهر زاهد ، وفي الباطن صابر ، ما أشبهه بالزاهد ، وليس هو به ، وأما الراغب فأولئك في خوض يلعبون ، مفصحون لا يشعرون .

              حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا الحسين بن علي العجلي ، قال : قال محمد بن السماك : همة العاقل في النجاة والهرب، وهمة الأحمق في اللهو والطرب .

              حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المؤذن ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، ثنا علي بن محمد البصري ، قال : كان أبو العباس بن السماك [ ص: 205 ] يقول في كلامه : عجبا لعين تلذ بالرقاد وملك الموت معه على وساد .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني هارون بن سفيان ، حدثني عبد الله بن صالح العجلي ، ثنا ابن السماك ، قال : كتبت إلى محمد بن الحسن حين ولي القضاء بالرقة : أما بعد فلتكن التقوى في بالك على كل حال ، وخف الله في كل نعمة عليك ، لعلة الشكر عليها مع المعصية بها ، فإن في النعمة حجة وفيها تبعة ، فأما الحجة فيها فالنسبة لها ، وأما التبعة فيها فعلة الشكر عليها ، فعفا الله عنك لما صنعت من شكر أو ركبت من ذنب أو قصرت من حق .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، سمعت ابن السماك ، يقول في مجلس في آخر كلامه : حتى متى بلغ الواعظون أعلام الآخرة ، حتى والله لكل نفس ما عليها واقفة ، وكأن العيون إليها ناظرة ، فلا منتبه من نومته ولا مستيقظ من غفلته ، ولا مفيق من سكرته ، ولا خائف من صرعته ، الرجا للدنيا يجعل للآخرة منك حظا ، أقسم بالله لو رأيت القيامة تخفف نزلا لهدأ أهوالها ، وقد علت النار مشرفة على أهلها ، وقد وضع الكتاب ونصب الميزان وجيء بالنبيين والشهداء ، ويكون لك في ذلك الجمع منزل وزلفى ، أبعد الدنيا إلى غير الآخرة تنتقل ، هيهات هيهات ، كلا والله ولكن صمت الآذان عن المواعظ ، وذهلت القلوب عن المنافع ، فلا المواعظ تنفع ، ولا الموعوظ ينتفع بما يسمع .

              حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ، ثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، ثنا يوسف بن بهلول ، سمعت عباد بن كليب ، يقول : سمعت ابن السماك ، يقول : أما بعد فإني كنت حينذاك وأنا مسرور مسبور وأنا فيها مغرور ذنب ستره علي فقد طابت النفس به كأنه مغفور ، ونعمة أبلاها فأنا بها مسرور كأني فيها على تأدية الحقوق مشكور فيا ليت شعري ما عواقب هذه الأمور .

              حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله سمعت محمد بن يونس المقري سمعت [ ص: 206 ] إسماعيل بن إبراهيم بن سحيم النامي ، ثنا محمد بن صبيح بن السماك : يا ابن آدم ألم يأن لك أن تطيع ، من عصى الحاسدين فيك ، أما وعزته لو أطاعهم قد يجعلك نكالا . حدثنا محمد بن شعيب ، سمعت محمد بن يونس ، يقول : سمعت إسماعيل بن إبراهيم بن سحيم ، سمعت ابن السماك يقول مثله .

              · حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني علي بن أبي مريم ، عن محمد بن الحسن ، حدثني إبراهيم بن سلمة الشعبي ، سمعت ابن السماك يقول : من صبر على العسر قوي على العبادة ، ومن أجمع الناس استغنى عن الناس ، ومن أهمته نفسه لم يول مسرتها إلى غيره ومن أحب الخير وفق له ومن كره الشر حبه ، ومن رضي الدنيا من الآخرة حظا فقد أخطأ حظ نفسه ، ومن أراد الحظ الأكبر من الآخرة وسعى لها سعيها ، وأعمل نفسه لها فهانت عليه الدنيا وأجمع ما فيها ، والصبر على المعاصي هو الكن لها والصبر على طاعة الله فرع الخير وتمامه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية