الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 183 ] وأخرج الطبراني في "الأوسط"، وابن مردويه ، من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن، عن أبيه أبي ليلى، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق، فحمله عليه بين يديه، ثم جعل يسير به، فإذا بلغ مكانا مطأطأ . طالت يداه وقصرت رجلاه حتى يستوي به، وإذا بلغ مكانا مرتفعا قصرت يداه وطالت رجلاه حتى يستوي، ثم عرض له رجل عن يمين الطريق، فجعل يناديه : يا محمد، إلى الطريق . مرتين، فقال له جبريل : امض ولا تكلم أحدا . ثم عرض له رجل عن يسار الطريق، فقال له : إلى الطريق يا محمد . فقال له جبريل : امض ولا تكلم أحدا . ثم عرضت له امرأة حسناء جملاء . فقال له جبريل : تدري من الرجل الذي دعاك عن يمين الطريق؟ قال : "لا" . قال : تلك اليهود . دعتك إلى دينهم . ثم قال : تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق؟ قال : "لا" . قال : تلك النصارى [ ص: 184 ] دعتك إلى دينهم . ثم قال : تدري من المرأة الحسناء الجملاء؟ قال : "لا" . قال : تلك الدنيا تدعوك إلى نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم انطلقا حتى أتيا بيت المقدس، فإذا هم بنفر جلوس، فقالوا مرحبا بالنبي الأمي . وإذا في النفر شيخ، قال : "ومن هذا يا جبريل ؟" . قال : هذا أبوك إبراهيم، وهذا موسى، وهذا عيسى . ثم أقيمت الصلاة، فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم، ثم أتوا بأشربة، فاختار النبي اللبن، فقال له جبريل : أصبت الفطرة . ثم قيل له : قم إلى ربك . فقام فدخل، ثم جاء فقيل له : ماذا صنعت؟ قال : "فرضت على أمتي خمسون صلاة" . فقال له موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق هذا . فرجع، ثم جاء فقال له موسى : ماذا صنعت؟ فقال : "ردها إلى خمس وعشرين صلاة" . فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجع ثم جاء فقال : "ردها إلى اثنتي عشرة" . فقال موسى عليه السلام : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجع ثم جاء فقال : "ردها إلى خمس" . فقال موسى : ارجع فاسأله التخفيف . قال : "قد استحييت من ربي مما أراجعه، وقد قال لي ربي : إن لك بكل ردة رددتها مسألة أعطيكها" .


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 185 ] وأخرج ابن عرفة في "جزئه المشهور"، وأبو نعيم في "الدلائل"، وابن عساكر في "تاريخه"، من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا، كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال شنوءة، وهو يقول ويرفع صوته : أكرمته وفضلته . فدفعنا إليه فسلمنا، فرد السلام، فقال : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا أحمد . قال : مرحبا بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته . ثم اندفعنا، فقلت : "من هذا يا جبريل ؟" . قال : هذا موسى بن عمران . قلت : "ومن يعاتب؟" . قال : يعاتب ربه فيك . قلت : ويرفع صوته على ربه؟" . قال : إن الله قد عرف له حدته" . ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرح تحتها شيخ وعياله، فقال لي جبريل : اعمد إلى أبيك إبراهيم . فدفعنا إليه، فسلمنا عليه، فرد السلام، فقال إبراهيم : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا ابنك أحمد . فقال : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته، يا بني، إنك لاق [ ص: 186 ] ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل . ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت، فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها، ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن، فأخذت اللبن فشربت، فضرب جبريل منكبي، وقال أصبت الفطرة . ثم أقيمت الصلاة، فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحارث بن أبي أسامة، والبزار ، وأبو يعلى ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في "الدلائل"، وابن عساكر ، من طريق علقمة، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتيت بالبراق فركبته، إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه، فسار بنا في أرض غمة منتنة، ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة، فسألت جبريل؟ قال : تلك أرض النار، وهذه أرض الجنة . فأتيت على رجل قائم يصلي، فقلت : من هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا أخوك عيسى . فسرنا فسمعنا صوتا وتذمرا، فأتينا على رجل فقال : من هذا معك؟ قال : هذا أخوك محمد . فسلم ودعا لي بالبركة وقال : سل لأمتك اليسر . قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك موسى . قلت : على من كان [ ص: 187 ] تذمره؟ قال : على ربه . قلت : أعلى ربه؟! قال : نعم، قد عرف حدته . ثم سرنا، فرأيت مصابيح وضوءا، فقلت : ما هذا يا جبريل قال : هذه شجرة أبيك إبراهيم، ادن منها . فدنوت منها، فرحب بي ودعا لي بالبركة، ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فنشرت لي الأنبياء، من سمى الله ومن لم يسم، فصليت بهم إلا هؤلاء الثلاثة؛ إبراهيم وموسى وعيسى" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صليت ليلة أسري بي في مقدم المسجد، ثم دخلت إلى الصخرة، فإذا ملك قائم معه آنية ثلاثة، فتناولت العسل، فشربت منه قليلا، ثم تناولت الآخر، فشربت منه حتى رويت، فإذا هو لبن، فقال اشرب من الآخر . فإذا هو خمر، قلت قد رويت . قال : أما إنك لو شربت من هذا لم تجتمع أمتك على الفطرة أبدا . ثم انطلق بي إلى السماء، ففرضت علي الصلاة، ثم رجعت إلى خديجة وما تحولت عن جانبها الآخر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، عن أم هانئ قالت : بات رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 188 ] ليلة أسري به في بيتي، ففقدته من الليل، فامتنع مني النوم؛ مخافة أن يكون عرض له بعض قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن جبريل أتاني فأخذ بيدي فأخرجني، فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق الحمار، فحملني عليها، ثم انطلق حتى أتى بي إلى بيت المقدس، فأراني إبراهيم، يشبه خلقه خلقي، ويشبه خلقي خلقه، وأراني موسى، آدم طويلا، سبط الشعر، شبهته برجال أزد شنوءة، وأراني عيسى ابن مريم، ربعة أبيض، يضرب إلى الحمرة شبهته بعروة ابن مسعود الثقفي، وأراني الدجال، ممسوح العين اليمنى، شبهته بقطن بن عبد العزى" . قال : "وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم ما رأيت" . فأخذت بثوبه، فقلت : إني أذكرك الله، إنك تأتي قوما يكذبونك وينكرون مقالتك، فأخاف أن يسطوا بك . قالت : فضرب ثوبه من يدي، ثم خرج إليهم فأتاهم وهم جلوس، فأخبرهم، فقام مطعم بن عدي فقال : يا محمد، لو كنت شابا كما كنت ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا . فقال رجل من القوم : يا محمد، هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا؟ قال : "نعم، والله وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم، فهم في طلبه" . قال : فهل مررت بإبل لبني فلان؟ قال : "نعم، وجدتهم [ ص: 189 ] في مكان كذا وكذا، قد انكسرت لهم ناقة حمراء، فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء، فشربت ما فيها" . قالوا : فأخبرنا ما عدتها وما فيها من الرعاء . قال : "قد كنت عن عدتها مشغولا" . فقام فأتي بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء، ثم أتى قريشا فقال لهم : "سألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاء فلان وفلان، وسألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وفلان، وهي مصبحتكم بالغداة الثنية" . فقعدوا إلى الثنية ينظرون أصدقهم ما قال، فاستقبلوا الإبل فسألوا : هل ضل لكم بعير؟ قالوا : نعم . فسألوا الآخر : هل انكسر لكم ناقة حمراء؟ قالوا : نعم . ، قال : فهل كان عندكم قصعة من ماء؟ قال أبو بكر : أنا والله وضعتها، فما شربها أحد منا ولا أهريقت في الأرض . فصدقه أبو بكر وآمن به، فسمي يومئذ الصديق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو يعلى ، وابن عساكر ، عن أم هانئ قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي، فقال : "شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتاني جبريل ، فذهب بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، مضطرب الأذنين، فركبته، فكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه، وقصرت رجلاه، وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل لا يفوتني حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التي [ ص: 190 ] كانت الأنبياء توثق بها، فنشر لي رهط من الأنبياء؛ منهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصليت بهم وكلمتهم، وأتيت بإناءين؛ أحمر وأبيض، فشربت الأبيض، فقال لي جبريل : شربت اللبن وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك . ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام، فصليت به الغداة؟" . فتعلقت بردائه وقلت : أنشدك الله يا ابن عم، أن تحدث بهذا قريشا، فيكذبك من صدقك، فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي، فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنه فوق إزاره كأنها طي القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد أن يختطف بصري، فخررت ساجدة، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي : ويحك اتبعيه وانظري ماذا يقول وماذا يقال له . فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى نفر من قريش فيهم المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، فقال : "إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصليت بهم وكلمتهم" . فقال عمرو [ ص: 191 ] ابن هشام كالمستهزئ : صفهم لي . فقال : أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد الشعر، تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي، وأما موسى فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوءة، كثير الشعر، غائر العينين، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا" . فضجوا وأعظموا ذلك، فقال المطعم : كل أمرك قبل اليوم كان أمما غير قولك اليوم، أنا أشهد أنك كذاب؛ نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، تزعم أنك أتيته في ليلة! واللات والعزى لا أصدقك . فقال أبو بكر : يا مطعم، لبئس ما قلت لابن أخيك، جبهته وكذبته، أنا أشهد أنه صادق . فقالوا : يا محمد، صف لنا بيت المقدس . قال : "دخلته ليلا وخرجت منه ليلا" . فأتاه جبريل ، فصوره في جناحه، فجعل يقول : "باب منه كذا في موضع كذا، وباب منه كذا في موضع كذا" . وأبو بكر يقول : صدقت، صدقت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : "يا أبا بكر، إن الله قد سماك الصديق" . قالوا : يا محمد، أخبرنا عن عيرنا . فقال : "أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا [ ص: 192 ] ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح ماء فشربت منه، ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخططة ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق وها هي ذه تطلع عليكم من الثنية" . فقال الوليد بن المغيرة : ساحر . فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال، [252و] فرموه بالسحر، وقالوا : صدق الوليد . فأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [الإسراء : 60] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن أم هانئ قالت : ما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى الصبح وصلينا معه قال صلى الله عليه وسلم : "يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 193 ] وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر ، عن عبد الله بن عمرو ، وأم سلمة وعائشة ، وأم هانئ، وابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حملت على دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل، في فخذها جناحان تحفز بهما رجليها، فلما دنوت لأركبها شمست، فوضع جبريل يده على معرفتها ثم قال : ألا تستحيين يا براق مما تصنعين؟ والله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه . فاستحيت حتى ارفضت عرقا، ثم قرت حتى ركبتها، فعملت بأذنيها، وقبضت الأرض حتى كان منتهى وقع حافرها طرفها، وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يفوتني ولا أفوته حتى انتهى بي إلى بيت المقدس، فأتى البراق إلى موقفه الذي كان يقف فربطه فيه، وكان مربط الأنبياء، ورأيت الأنبياء جمعوا لي، فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى، فظننت أنه [ ص: 194 ] لا بد أن يكون لهم إمام، فقدمني جبريل حتى صليت بين أيديهم، وسألتهم فقالوا : بعثنا بالتوحيد" . وقال بعضهم : فقد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه ويلتمسونه، وخرج العباس حتى إذا بلغ ذا طوى، فجعل يصرخ : يا محمد، يا محمد . فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لبيك" . فقال : يا ابن أخي، عنيت قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال : "أتيت من بيت المقدس" . قال : في ليلتك؟! قال : "نعم" . قال : هل أصابك إلا خير؟ قال : "ما أصابني إلا خير" . وقالت أم هانئ : ما أسري به إلا من بيتنا، نام عندنا تلك الليلة صلى العشاء ثم نام، فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح فقام، فلما صلى الصبح . قال : "يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي، ثم قد جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت الغداة معكم" . ثم قام ليخرج، فقلت : لا تحدث هذا الناس فيكذبوك ويؤذوك . فقال : "والله لأحدثنهم" . فأخبرهم، فتعجبوا وقالوا : لم نسمع بمثل هذا قط . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : "يا جبريل ، إن قومي لا يصدقوني" . قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق . وافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا وأسلموا، وقمت في [ ص: 195 ] الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه، فقال بعضهم : كم للمسجد من باب؟ ولم أكن عددت أبوابه، فجعلت أنظر إليها وأعدها بابا بابا وأعلمهم، وأخبرتهم عن عيرات لهم في الطريق وعلامات فيها، فوجدوا ذلك كما أخبرتهم . وأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . قال : كانت رؤيا عين رآها بعينه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، كلاهما في "الدلائل"، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا؟! فوالله ما ركبك خلق أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "الدلائل" عن ابن شهاب قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 196 ] وأخرج البيهقي عن عروة، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن السدي قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل مهاجره بستة عشر شهرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، والنسائي ، وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب "حياة الأنبياء"، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو يعلى ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن أنس قال : حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره . قال : وذكر لي أنه حمل على البراق . قال : "فأوثقت الفرس" . أو قال : "الدابة بالحلقة" . فقال أبو بكر صفها لي يا رسول الله . فقال : "هي كذه وذه" . وكان أبو بكر قد رآها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أنس، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على موسى وهو قائم [ ص: 197 ] يصلي في قبره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أسري بالنبي جعل يمر بالنبي والنبيين معهم الرهط، والنبيين معهم القوم، والنبي والنبيين ليس معهم أحد، حتى مر بسواد عظيم، "فقلت : من هؤلاء؟ فقيل : موسى وقومه، ولكن ارفع رأسك وانظر . فإذا سواد عظيم قد سد الأفق من ذا الجانب وذا الجانب، فقيل لي : هؤلاء أمتك، وسوى هؤلاء من أمتك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب" . قال : فدخل ولم يسألوه ولم يفسر لهم . فقال قائلون : نحن هم . وقال قائلون : هم أبناؤنا الذين ولدوا في الإسلام . فخرج فقال : "هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" . فقام عكاشة بن محصن فقال : أنا منهم يا رسول الله؟ قال : "نعم" . ثم قام رجل آخر فقال : أنا منهم يا رسول الله؟ قال : "سبقك بها عكاشة" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 198 ] وأخرج أحمد ، والنسائي ، والبزار ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، بسند صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، فقلت : يا جبريل ، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : ماشطة بنت فرعون وأولادها، كانت تمشطها فسقط المشط من يدها، فقالت : باسم الله . فقالت ابنة فرعون : أبي؟ قالت : بل ربي وربك ورب أبيك . قالت : أولك رب غير أبي؟ قالت : نعم، ربي وربك الله الذي في السماء . فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها وأولادها، قالت : إن لي إليك حاجة . قال : وما هي؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنه جميعا . قال : ذلك لك لما لك علينا من الحق . فألقوا واحدا واحدا حتى بلغ رضيعا فيهم قال : قعي يا أمه ولا تقاعسي، فإنك على الحق . فألقيت هي وولدها" . قال ابن عباس : وتكلم أربعة وهم صغار؛ هذا، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب، عن [ ص: 199 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال : "ليلة أسري بي وجدت ريحا طيبة، فقلت : يا جبريل ، ما هذه؟ قال : هذه ريح قبر الماشطة وزوجها وابنيها، بينا هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت : تعس فرعون . فأخبرت أباها، وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم، فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا، فقال : إني قاتلكما : فقالا : إحسان منك إلينا إن قتلتنا أن تجعلنا في بيت . ففعل" . فلما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وجد ريحا طيبة، فسأل جبريل فأخبره .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية