الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 102 ] قيس بن سعد ( ع )

                                                                                      ابن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ، الأمير المجاهد ، أبو عبد الله ، سيد الخزرج وابن سيدهم أبي ثابت ، الأنصاري الخزرجي الساعدي ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه .

                                                                                      له عدة أحاديث .

                                                                                      روى عنه : عبد الله بن مالك الجيشاني ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وأبو عمار الهمداني ، وعروة ، والشعبي ، وميمون بن أبي شبيب ، وعريب بن حميد الهمداني ، والوليد بن عبدة وآخرون .

                                                                                      ووفد على معاوية ، فاحترمه ، وأعطاه مالا .

                                                                                      وقد حدث بالكوفة والشام ومصر .

                                                                                      وقال الواقدي : كنيته أبو عبد الملك لم يزل مع علي ، فلما قتل علي ، رجع قيس إلى وطنه .

                                                                                      [ ص: 103 ] قال أحمد بن البرقي : كان صاحب لواء النبي في بعض مغازيه . وكان بمصر واليا عليها لعلي .

                                                                                      وقال ابن يونس : شهد فتح مصر ، واختط بها دارا ، ووليها لعلي سنة ست ، وعزله عنها سنة سبع .

                                                                                      وقال عمرو بن دينار : كان قيس بن سعد رجلا ضخما ، جسيما ، صغير الرأس ، ليست له لحية ، إذا ركب حمارا ، خطت رجلاه الأرض ، فقدم مكة ، فقال قائل : من يشتري لحم الجزور ، يعرض بقيس أنه لا يأكل لحم الجزور .

                                                                                      أبو إسحاق ، عن يريم أبي العلاء . قال قيس بن سعد : صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين .

                                                                                      ثمامة : عن أنس ، قال : كان قيس بن سعد من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير ، فكلم أبوه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قيس ، فصرفه عن الموضع الذي وضعه مخافة أن يتقدم على شيء ، فصرفه .

                                                                                      لفظ أبي حاتم عن الأنصاري عن أبيه عن ثمامة .

                                                                                      [ ص: 104 ] الزهري : أخبرني ثعلبة بن أبي مالك : أن قيس بن سعد - وكان صاحب لواء النبي ، صلى الله عليه وسلم - أراد الحج ، فرجل أحد شقي رأسه ; فقام غلام له ، فقلد هديه ، فأهل وما رجل شقه الآخر .

                                                                                      وذكر عاصم بن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل قيس بن سعد على الصدقة .

                                                                                      وجاء في بعض طرق حديث الحوت الذي يقال له : العنبر ، عن جابر ، أن أميرهم كان قيس بن سعد ، وإنما المحفوظ أبو عبيدة .

                                                                                      وروى عمر بن دينار ، سمع أبا صالح السمان يذكر أن قيس بن سعد نحر لهم - يعني في تلك الغزوة - عدة جزائر .

                                                                                      وقد جود ابن عساكر طرقه .

                                                                                      [ ص: 105 ] وقال الواقدي : حدثنا داود بن قيس ، ومالك ، وطائفة ، قالوا : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون والأنصار ، وهم ثلاثمائة ، إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة ، فأصابهم جوع شديد . فأمر أبو عبيدة بالزاد ، فجمع ; حتى كانوا يقتسمون التمرة . فقال قيس بن سعد : من يشتري مني تمرا بجزر ، يوفيني الجزر هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة . فجعل عمر يقول : يا عجبا لهذا الغلام ، يدين في مال غيره . فوجد رجلا من جهينة ، فساومه ، فقال : ما أعرفك ! قال : أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم . فقال : ما أعرفني بنسبك أما إن بيني وبين سعد خلة سيد أهل يثرب فابتاع منه خمس جزائر ، كل جزور بوسق من تمر ، وأشهد له نفرا . فقال عمر : لا أشهد ، هذا يدين ولا مال له ، إنما المال لأبيه . فقال الجهني : والله ما كان سعد ليخني بابنه في شقة من تمر ، وأرى وجها حسنا ، فنحرها لهم في ثلاثة مواطن . فلما كان في اليوم الرابع ، نهاه أميره ، وقال : تريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك .

                                                                                      قال فحدثني محمد بن يحيى بن سهل ، عن أبيه ، عن رافع بن خديج قال : بلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة ، فقال : إن يك قيس كما [ ص: 106 ] أعرف ، فسوف ينحر للقوم ، فلما قدم ، قص على أبيه ، وكيف منعوه آخر شيء من النحر ، فكتب له أربع حوائط أدنى حائط منها يجد خمسين وسقا . فقيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه ، قال : أما إنه في بيت جود .

                                                                                      أبو عاصم : حدثنا جويرية ، قال : كان قيس يستدين ، ويطعم ، فقال أبو بكر وعمر : إن تركنا هذا الفتى ، أهلك مال أبيه ، فمشيا في الناس ، فقام سعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب ، يبخلان علي ابني .

                                                                                      وقيل : وقفت على قيس عجوز ، فقالت : أشكو إليك قلة الجرذان ، فقال : ما أحسن هذه الكناية ، املئوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا .

                                                                                      مالك : عن يحيى بن سعيد ، قال : كان قيس بن سعد يطعم الناس في أسفاره مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان إذا نفد ما معه تدين ، وكان ينادي في كل يوم ; هلموا إلى اللحم والثريد .

                                                                                      قال ابن سيرين : كان سعد ينادي على أطمه : من أحب شحما ولحما ، فليأت ، ثم أدركت ابنه مثل ذلك .

                                                                                      وعن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : باع قيس بن سعد مالا من [ ص: 107 ] معاوية بتسعين ألفا ; فأمر من نادى في المدينة : من أراد القرض فليأت . فأقرض أربعين ألفا ، وأجاز بالباقي ، وكتب على من أقرضه . فمرض مرضا قل عواده ، فقال لزوجته قريبة أخت الصديق : لم قل عوادي ؟ قالت : للدين ، فأرسل إلى كل رجل بصكه ، وقال : اللهم ارزقني مالا وفعالا ، فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال .

                                                                                      عمرو بن دينار ، عن أبي صالح ، أن سعدا قسم ماله بين ولده ، وخرج إلى الشام ، فمات ، وولد له ولد بعد ; فجاء أبو بكر وعمر إلى ابنه قيس ، فقالا : نرى أن ترد على هذا ، فقال : ما أنا بمغير شيئا صنعه سعد ، ولكن نصيبي له .

                                                                                      وجاءت هذه عن ابن سيرين ، وعن عطاء .

                                                                                      قال مسعر : عن معبد بن خالد ، قال : كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعا أصبعه المسبحة ، يعني : يدعو

                                                                                      وجود قيس يضرب به المثل ، وكذلك دهاؤه .

                                                                                      روى الجراح بن مليح البهراني ، عن أبي رافع ، عن قيس بن سعد ، قال : لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : المكر والخديعة في النار [ ص: 108 ] لكنت من أمكر هذه الأمة .

                                                                                      ابن عيينة : حدثني عمرو ، قال : قال قيس : لولا الإسلام ، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب .

                                                                                      وعن الزهري : كانوا يعدون قيسا من دهاة العرب ، وكان من ذوي الرأي ، وقالوا : دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة : معاوية ، وعمرو ، وقيس ، والمغيرة ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي .

                                                                                      وكان قيس وابن بديل مع علي وكان عمرو بن العاص مع معاوية ، وكان المغيرة معتزلا بالطائف حتى حكم الحكمان .

                                                                                      عوف عن محمد ، قال : كان محمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة من أشدهم على عثمان ، فأمر علي قيس بن سعد على مصر ، وكان حازما . فنبئت أنه كان يقول : لولا أن المكر فجور ، لمكرت مكرا تضطرب منه أهل الشام بينهم . فكتب معاوية وعمرو إليه يدعوانه إلى مبايعتهما . فكتب إليهما كتابا فيه غلظ . فكتبا إليه بكتاب فيه عنف ، فكتب إليهما بكتاب فيه لين . فلما قرآه ، علما أنهما لا يدان لهما بمكره . فأذاعا بالشام أنه قد تابعنا ، فبلغ ذلك عليا ، فقال له أصحابه : أدرك مصر فإن قيسا قد بايع معاوية . فبعث محمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة إلى مصر ، وأمر ابن أبي بكر . فلما قدما على قيس بنزعه ، علم أن عليا قد خدع فقال لمحمد : يا ابن أخي احذر ، يعني أهل مصر ، فإنهم سيسلمونكما ، فتقتلان . فكان كما قال .

                                                                                      [ ص: 109 ] وعن يزيد بن أبي حبيب : قال : ضبط قيس مصر ، وكان ممتنعا بالمكيدة والدهاء من معاوية وعمرو ، أدر الأرزاق عليهم ، ولم يحمل إلى أهل الشام طعاما ، قال : فمكرا بعلي ، وكتب معاوية كتابا من قيس إليه ، يذكر فيه ما أتى إلى عثمان من الأمر العظيم وإني على السمع والطاعة . ثم نادى معاوية : الصلاة جامعة ، فخطب ، وقال : يا أهل الشام ، إن الله ينصر خليفته المظلوم ، ويخذل عدوه أبشروا . هذا قيس بن سعد ناب العرب قد أبصر الأمر ، وعرفه على نفسه ، ورجع إلى الطلب بدم خليفتكم ، وكتب إلي . فأمر بالكتاب فقرئ ، وقد أمر بحمل الطعام إليكم ، فادعوا الله لقيس ، وارفعوا أيديكم ، فعجوا وعج معاوية ، ورفعوا أيديهم ساعة ، فقال معاوية لعمرو : تحين خروج العيون ، ففي سبع أو ثمان يصل الخبر إلى علي ، فيعزل قيسا ، وكل من ولي مصر كان أهون علينا . فلما ورد على علي الخبر ، دخل عليه محمد بن أبي بكر والأشتر ، وذما قيسا ، وجعل علي لا يقبل . ثم عزله ، وولى الأشتر ، فمات قبل أن يصل إليها .

                                                                                      قلت : فقيل : سم . وولى محمد بن أبي بكر فقتل بها ، وغلب عليها عمرو .

                                                                                      قال ضمرة بن ربيعة : جعل معاوية يقول : ادعوا لصاحبكم - يعني قيسا - فإنه على رأيكم ، فعزله علي ، وولاها محمد بن أبي بكر . وتقدم إليه أن لا يعرض لابن حديج وأصحابه ، وكانوا أربعة آلاف قد نزلوا بنخيلة وتنحوا عن الفريقين بعد صفين فعبث بهم . قال : ورحل قيس إلى المدينة ، [ ص: 110 ] وعبثت به بنو أمية ، فلحق بعلي . فكتب معاوية إلى مروان : ماذا صنعتم من إخراجكم قيسا إليه ؟ قال : وكتب ابن حديج وأصحابه إلى معاوية : ابعث إلينا أميرا . فبعث عمرو بن العاص إليهم ، فلجأ محمد بن أبي بكر إلى عجوز ، فأقر عليه ابنها ، فقتلوه ، وأحرق في بطن حمار ، وهرب محمد بن أبي حذيفة ، فقتل أيضا .

                                                                                      وعن الزهري ، قال : قدم قيس المدينة فتوامر فيه الأسود بن أبي البختري ، ومروان أن يبيتاه ، وبلغ ذلك قيسا ، فقال : والله إن هذا لقبيح أن أفارق عليا وإن عزلني ، والله لألحقن به . فلحق به ، وحدثه بما كان يعتمد بمصر . فعرف علي أن قيسا كان يداري أمرا عظيما بالمكيدة ، فأطاع علي قيسا في الأمر كله ، وجعله على مقدمة جيشه . فبعث معاوية يؤنب مروان والأسود ، وقال : أمددتما عليا بقيس ؟ والله لو أمددتماه بمائة ألف مقاتل ، ما كان بأغيظ علي من إخراجكما قيسا إليه

                                                                                      وروي نحوه عن معمر أيضا ، عن الزهري .

                                                                                      هشام بن عروة : عن أبيه ، كان قيس مع علي في مقدمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم بعدما مات علي ، فلما دخل الحسن . في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخل ، وقال لأصحابه : إن شئتم جالدت بكم أبدا حتى يموت الأعجل ، وإن شئتم أخذت لكم أمانا . فقالوا : خذ لنا ، [ ص: 111 ] فأخذ لهم ، ولم يأخذ لنفسه خاصة . فلما ارتحل نحو المدينة ومعه أصحابه ، جعل ينحر لهم كل يوم جزورا حتى بلغ صرارا .

                                                                                      ابن عيينة ، عن أبي هارون المدني ، قال : قال معاوية لقيس بن سعد : إنما أنت حبر من أحبار يهود ; إن ظهرنا عليك قتلناك ، وإن ظهرت علينا نزعناك ، فقال : إنما أنت وأبوك صنمان من أصنام الجاهلية ، دخلتما في الإسلام كرها ، وخرجتما منه طوعا .

                                                                                      هذا منقطع .

                                                                                      المدائني : عن أبي عبد الرحمن العجلاني ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان ، قال : دخل قيس بن سعد في رهط من الأنصار على معاوية ، فقال : يا معشر الأنصار ! بما تطلبون ما قبلي ؟ فوالله لقد كنتم قليلا معي ، كثيرا علي ، وأفللتم حدي يوم صفين ، حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم ، وهجوتموني حتى إذا أقام الله ما حاولتم ميله ، قلتم : ارع فينا وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هيهات يأبى الحقين العذرة فقال قيس : نطلب ما قبلك بالإسلام الكافي به الله ما سواه ، لا بما تمت به إليك الأحزاب ، فأما عداوتنا لك ، فلو شئت كففتها عنك ، وأما الهجاء فقول يزول باطله ، ويثبت حقه ، وأما استقامة الأمر عليك فعلى كره منا ، وأما فلنا حدك ، فإنا كنا مع رجل نرى طاعته لله ، وأما وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنا ، فمن أبه رعاها . [ ص: 112 ] وأما قولك : يأبى الحقين العذرة ، فليس دون الله يد تحجزك ، فشأنك . فقال معاوية : سوءة . ارفعوا حوائجكم .

                                                                                      أبو تميلة - يحيى بن واضح - : أنبأنا رجل من ولد الحارث بن الصمة ، يكنى أبا عثمان ، أن قيصر بعث إلى معاوية : ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب ، فقال لقيس بن سعد : ما أظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك ، فقام فتنحى وجاء ، فألقاها ، فقال : ألا ذهبت إلى منزلك ، ثم بعثت بها ؟ فقال :

                                                                                      أردت بها كي يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود     وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه
                                                                                      سراويل عادي نمته ثمود     وإني من الحي اليماني سيد
                                                                                      وما الناس إلا سيد ومسود     فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم
                                                                                      شديد وخلقي في الرجال مديد



                                                                                      فأمر معاوية بأطول رجل في الجيش فوضعت على أنفه ، قال : فوقفت بالأرض .

                                                                                      ورويت بإسناد آخر .

                                                                                      قال الواقدي وغيره : توفي قيس في آخر خلافة معاوية .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية