الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الإضمار قبل الذكر على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن يحصل صورة ومعنى ، كقولك : ضرب غلامه زيدا . والمشهور أنه لا يجوز ؛ لأنك رفعت غلامه بضرب ، فكان واقعا موقعه ، والشيء إذا وقع موقعه لم تجز إزالته عنه ، وإذا كان كذلك كانت الهاء في قولك : غلامه ضميرا قبل الذكر ، وأما قول النابغة :


                                                                                                                                                                                                                                            جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاويات وقد فعل



                                                                                                                                                                                                                                            فجوابه : أن الهاء عائدة إلى مذكور متقدم ، وقال ابن جني : وأنا أجيز أن تكون الهاء في قوله : ربه عائدة على عدي خلافا للجماعة ، ثم ذكر كلاما طويلا غير ملخص ، وأقول : الأولى في تقريره أن يقال : الفعل من حيث إنه فعل كان غنيا عن المفعول ، لكن الفعل المتعدي لا يستغني عن المفعول ، وذلك لأن الفاعل هو المؤثر ، والمفعول هو القابل ، والفعل مفتقر إليهما ، ولا تقدم لأحدهما على الآخر ، أقصى ما في الباب أن يقال : إن الفاعل مؤثر ، والمؤثر أشرف من القابل ، فالفاعل متقدم على المفعول من هذا الوجه : لأنا بينا أن الفعل المتعدي مفتقر إلى المؤثر وإلى القابل معا ، وإذا ثبت هذا فكما جاز تقديم الفاعل على المفعول وجب أيضا جواز تقديم المفعول على الفاعل .

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثاني : وهو أن يتقدم المفعول على الفاعل في الصورة لا في المعنى : وهو كقولك : ضرب غلامه زيد : فغلامه مفعول ، وزيد فاعل ، ومرتبة المفعول بعد مرتبة الفاعل ، إلا أنه وإن تقدم في اللفظ لكنه متأخر في المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                            والقسم الثالث : وهو أن يقع في المعنى لا في الصورة كقوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) [ البقرة : 124 ] فههنا الإضمار قبل الذكر غير حاصل في الصورة ، لكنه حاصل في المعنى : لأن الفاعل مقدم في المعنى ومتى صرح بتقديمه لزم الإضمار قبل الذكر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية