الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : في أنه هل يجوز إطلاق لفظ النور على الله ؟ قال الله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) [ النور : 35 ] وأما الأخبار فروي أنه قيل لعبد الله بن عمر : نقل عنك أنك تقول : الشقي من شقي [ ص: 106 ] في بطن أمه ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله خلق الخلق في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور شيء فقد اهتدى ، ومن أخطأ فقد ضل " فلذلك أقول : جف القلم على علم الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن القول بأن الله تعالى هو هذا النور أو من جنسه قول باطل ، ويدل عليه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن النور إما أن يكون جسما أو كيفية في جسم ، والجسم محدث فكيفياته أيضا محدثة ، وجل الإله عن أن يكون محدثا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن النور تضاده الظلمة ، والإله منزه عن أن يكون له ضد .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن النور يزول ويحصل له أفول ، والله منزه عن الأفول والزوال ، وأما قوله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) فجوابه أن هذه الآية من المتشابهات ، والدليل عليه ما ذكرناه من الدلائل العقلية ، وأيضا فإنه تعالى قال عقيب هذه الآية ( مثل نوره ) [ النور : 35 ] فأضاف النور إلى نفسه إضافة الملك إلى مالكه فهذا يدل على أنه في ذاته ليس بنور ، بل هو خالق النور .

                                                                                                                                                                                                                                            بقي أن يقال : فما المقتضي لحسن إطلاق لفظ النور عليه ؟ فنقول : فيه وجوه : الأول : " قرأ بعضهم : ( لله نور السماوات والأرض ) " وعلى هذه القراءة فالشبهة زائلة ، والثاني : أنه سبحانه منور الأنوار ومبدعها وخالقها ؛ فلهذا التأويل حسن إطلاق النور عليه . والثالث : أن بحكمته حصلت مصالح العالم ، وانتظمت مهمات الدنيا والآخرة ، ومن كان ناظما للمصالح وساعيا في الخيرات فقد يسمى بالنور ، يقال : فلان نور هذه البلد إذا كان موصوفا بالصفة المذكورة . والرابع : أنه هو الذي تفضل على عباده بالإيمان والهداية والمعرفة ، وهذه الصفات من جنس الأنوار ، ويدل عليه القرآن والأخبار : أما القرآن فقوله تعالى في آخر الآية : ( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ) [ النور : 35 ] وأما الأخبار فكثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الأول : ما روى أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الثاني : عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " هل تدرون أي الناس أكيس ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا ، قالوا : يا رسول الله هل لذلك من علامة ؟ قال : نعم ، التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، فإذا دخل النور في القلب انفسح واتسع للاستعداد قبل نزول الموت " .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الثالث : عن ابن مسعود قال : تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [ الزمر : 22 ] فقلت : يا رسول الله كيف يشرح الله صدره ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح ، فقلت : ما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والتأهب للموت قبل نزول الموت .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الرابع : عن أنس - رضي الله عنه - قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في طريق إذ لقيه حارثة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت والله مؤمنا حقا ، فقال عليه الصلاة والسلام : انظر ما تقول ، فإن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وإلى أهل [ ص: 107 ] النار يتعاوون فيها ، فقال عليه الصلاة والسلام : عرفت فالزم ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سره أن ينظر إلى رجل نور الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى هذا " ثم قال : يا رسول الله ادع لي بالشهادة فدعا له ، فنودي بعد ذلك : يا خيل الله اركبي ، فكان أول فارس ركب ، فاستشهد في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الخامس : عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : بينما أنا جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذ سمع صوتا من فوقه ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : إن هذا الباب من السماء قد فتح ، وما فتح قط ، فنزل منه ملك فقال : يا محمد أبشر بنورين لم يؤتهما أحد من قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر السادس : عن يعلى بن منبه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يمر المؤمن على الصراط يوم القيامة فتناديه النار : جز عني يا مؤمن وقد أطفأ نورك لهبي " .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر السابع : عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم بك نصبح ، وبك نمسي ، وبك نحيا وبك نموت ، وإليك النشور ، اللهم اجعلني من أفضل عبادك عندك حظا ونصيبا ، في كل خير تقسمه اليوم : من نور تهدي به ، أو رحمة تنشرها ، أو رزق تبسطه ، أو ضر تكشفه ، أو بلاء تدفعه ، أو سوء ترفعه ، أو فتنة تصرفها " .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الثامن : عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن أهل الجنة فقال : " أهل الجنة شعث رؤوسهم ، وسخة ثيابهم ، لو قسم نور أحدهم على أهل الأرض لوسعهم " .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر التاسع : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم ، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا ، وإذا قالوا لم ينصت لقولهم ، حاجة أحدهم تتلجلج في صدره ، لو قسم نوره على أهل الأرض لوسعهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر العاشر : عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل يقول : نوري هداي و " لا إله إلا الله " كلمتي ، فمن قالها أدخلته حصني ومن أدخلته حصني فقد أمن .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الحادي عشر : عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو : " أعوذ بكلمات الله التامة ، وبنوره الذي أشرقت له الأرض ، وأضاءت به الظلمات ، من زوال نعمتك ، ومن تحول عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن درك الشقاء وشر قد سبق " .

                                                                                                                                                                                                                                            الخبر الثاني عشر : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : " اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا " والحديث مشهور .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية