الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض أهلي الشاب الذي أريده بحجج مادية، فهل هم على حق؟

السؤال

أهلي يرفضون زواجي من الشاب الذي أريده وأحبه بعد تقدمه لخطبتي، ولأسباب غير مقنعة بالنسبة لي -ليس لديه شهادة، وهو عامل بناء، وأنه لا يناسب مستواهم المادي كسيارته؛ لأنها رخيصةٌ، وبيته المستقبلي سيكون في بناية مع إخوته- يقولون بأني جميلةٌ وألف شاب يتمناني، وهذا لا يساوي شيئًا، أي أنه ليس من مقامي، بالإضافة إلى أنهم خائفون من كلام الناس، ماذا سيقولون عنا إن رضينا أن نزوجك إلى من جاء من هذا البلد؟! كأنها دون المستوى!

أهلي لم يسألوا عن الشاب، ولا عن عائلته أبداً، وقالوا فيه ما ليس فيه، فقط يتكبرون على خلق الله لأنهم يملكون أموالاً أكثر -أنا أرفض رفضاً تاماً هذه الأسباب، وأراها غير مقنعة- أنا أعرف الشاب جيداً وتفكيره، يعمل ويأخذ أجره بالحلال، وعائلته أتقياء، ولا يوجد ملاحظة واحدة عليه وعلى عائلته، إلا كل خير.

أهلي يتفاخرون بجمالي وشهادتي، ويعاملونني كسلعة تجارية أساوي أكثر من هذا الرجل -نظراً لأنه تقدم لي الكثير من الخطاب مسبقاً من ذوي الحالة المادية الأغنى-. أنا أحب الشاب، ولا أريد غيره، وهو كذلك -فقد كنا على علاقة مسبقة- إذا سألوا عنه وأثبتوا لي أنه غير ما أعرف، وأنه سيء الخلق والدين، فعندها يحق لهم عضلي.

أبي في البداية وافق، وسمح له ولعائلته بالقدوم إلينا والتعرف، لكنه سمع معارضة من عماتي غير المتزوجات، وجدتي وإخواني، وهذا كله فقط من باب الاستحقار لهؤلاء الناس، أنا صعبت حالتي النفسية كثيراً، وتغيرت مع كل العائلة التي لا تعطي اهتماماً لقراري، كيف لعمتي أن تقرر لي من سيكون شريك حياتي وهي لا تعرفه أصلاً؟!

أشعر بالظلم الكبير والقهر من كل من في العائلة، نتيجة لذلك عذبوني نفسياً ويريدون إجباري أن أعود كما كنت سابقاً مرحة وأحب الحياة، حتى إنهم لا يحترمون الأذى النفسي الذي ألحقوه بي، وينتظرون أن أستقر نفسياً مما فعلوه بي، ومن الكلام الذي سمعته، هل بكبسة زر يعود الإنسان كما كان مع أشخاص أهانوه وعنفوه نفسياً بأقبح الكلمات، وأنني سأسبب لهم العار؟! لا يعرفون كيف يتصرفون، ولا يملكون أدنى طرق التواصل السوية.

أنا لم أر قط حنان أبي وإخوتي، لم أسمع كلمة جميلة بحقي منهم، يمنون عليّ بأنهم أركبوني سيارة فاخرة، وأنهم قاموا بتسفيري ووو... فقط ماديات، أنا أبحث عن الحنان والرجولة الحقيقية، ووجدتها بهذا الشاب، فضلت أن أسكت وأن لا أتكلم مع أحد إلا بما هو مهم وداخل حدود البر؛ لأن نفسيتي متعبة، كل يوم أنام وأنا أبكي من القهر، وقد تراجعت صحتي، وأشعر بنغزة في قلبي كل يوم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ س.ج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا والآخرة.

أختنا الكريمة: قبل كل شيء لا بد أن تعلمي أن من قدره الله لك زوجاً سيأتي به الله في الوقت الذي قدره، هذه عقيدة يجب أن تكون راسخة لديك، زوجك المقدر في علم الله آتٍ، شاء من شاء وأبى من أبى، روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء "وهذا يبعث على الهدوء ويجلب السكينة، فالشاب هذا إن كان مقدراً لك ستتغير نظرة عائلتك وسيقضي الله الأمر، وإن كان غير مقدر لك فلو اجتمع أهل الأرض على الجمع بينكما لن يكون.

ثانياً: المؤمن يعلم أن قضاء الله هو الخير للعبد من مراده، والله لا يقضي لعبده إلا ما يصلحه، وقد علمنا القرآن أن العبد قد يتمنى الشر يحسبه خيراً، وقد يرد الخير يحسبه شراً، فقال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) والنجاة في التسليم لأمر الله والتوكل عليه، مع الأخذ بالأسباب المتاحة.

ثالثاً: قد ذكرت أن الشاب غير متعلم، وأنه يعمل أعمالاً حرفية، وهذا لا يعيبه من الناحية الدينية، ولكن هناك أمورٌ يجب مراعاتها عند النكاح غير الصلاح، بمعنى آخر، تدين الرجل وحده ليس موجباً للقبول به، ودعينا نضرب المثال على ذلك: استمعي معنا إلى هذا الحديث الصحيح ،عنْ فَاطِمةَ بنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْها قَالَتْ: أَتيْتُ النبيَّ ﷺ، فقُلْتُ: إنَّ أَبَا الجَهْمِ ومُعاوِيةَ خَطباني؟ فَقَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: أمَّا مُعَاوِيةُ، فَصُعْلُوكٌ لاَ مالَ لَهُ، وأمَّا أَبُو الجَهْمِ فَلاَ يضَعُ العَصا عنْ عاتِقِهِ متفقٌ عَلَيْهِ.

وفي روايةٍ لمسلمٍ: وأمَّا أبُو الجَهْمِ فضَرَّابُ للنِّساءِ وَهُوَ تفسير لرواية: لا يَضَعُ العَصا عَنْ عاتِقِهِ وقيل: معناه: كثيرُ الأسفارِ.
فانظري كل منهما صاحب دين وصلاح، بل كلاهما من الصحابة، ومع ذلك رفضهما النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلل أخرى، ووجها أن تتزوج غيره، وعليه فهناك اعتبارات تجهلها الفتاة في عمرها الحالي، وتعرفها حين تكبر، ونحن قد رأينا كثيراً من شكاوى بعض الأخوات اللاتي أكلهن الندم على الزواج من غير الأكفاء، ولكنه ندم فات وقته.

رابعاً: أختنا الكريمة: قد ذكرت أنك كنت على علاقة سابقة مع الشاب، وهذه الكلمة خطيرة؛ لأنها تحمل دلالات نعيذك بالله منها، وأنت فتاة مسلمة وتعلمين قطعاً أنه لا يحل لك الحديث مع شاب أجنبي عنك، وعليه فيجب التوقف فوراً عن التواصل مع الشاب بأي طريقة، وعليك أن تتوبي لله -عز وجل- من ذلك، وأن تعلمي أن الزواج المستقيم لا يقوم على أسس غير شرعية.

خامساً: إننا ننصحك بفتح حوار هادئ مع والدتك ووالدك كلًا منهما على انفراد، والاجتهاد في إقناعهم مع الدعاء لله -عز وجل- أن يقضي لك الخير على ما يحب ويرضى، وثقي أن ما يقضيه لك الله هو الخير.

فافعلي وسلمي الأمر لله -عز وجل- وكوني مطمئنة أن الله سيقضي ما يريد، وأنك بذلت الأسباب، والله هو الذي يتولى الأمور على ما يحب ويرضى، ولا تأخذي موقفاً سلبياً من أهلك أو عماتك، فأنت -أختنا- لا تدرين أي الأمور هي الخير لك، سلمي الأمر لله -عز وجل- فإن وافقوا على الشاب فالحمد لله، وإن أصروا على الرفض فالحمد لله، ولا تغلقي الباب بعدها لخاطب إذا كان كفؤا، واستعيني على ما تريدن بالدعاء والاستخارة.

نسأل الله أن يوفقك للزوج الصالح الذي تقر به عينك ويكون معينا لك على طاعة الله، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً