الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جالسة في المنزل وأريد أن أهب وقتي للعلم..فما النصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندي إجازة، وكنت سأكمل الماجستير لولا ظروف اضطرتني لتأجيله، وقد كانت هذه حكمة من الله، حتى يتوب علي، إذ أني طيلة الثلاثة الشهور الماضية أصلح الله حالي، وقضيت وقتاً في فيديوهات دينية، وكتب ومنها كتاب الكبائر، وأصابني الهرع على ما كنت فيه من حال، زيّن الشيطان لي أعمالي حتى استصغرت كبيرها، لجهلي بالأحكام، وتهاونت في الفرائض.

أحاول الاعتصام بحبل الله، وبما أني جالسة في المنزل فقد توصلت -بفضل من ربي- أن أقضي يومي هكذا: النوم بعد العشاء، والاستيقاظ لصلاة الفجر، المحافظة على الفرائض والسنن الرواتب والأذكار في وقتها، وبعد الفجر اخترت تدبر القرآن الكريم، ثم بقية اليوم ألهمني الله كبداية حبّ معرفته، فبدأت بمتابعة دورة على اليوتيوب تتحدث عن أسماء الله الحسنى، إذ يقال بأنها أكثر ما يعرفك بالله.

الآن -إن شاء الله- سيكون لي سبعة أشهر في المنزل، وأريد أن أهبها للعلم، بماذا أبدأ؟ يومي يسير هكذا: ٧ ساعات نوم، و ٤ ساعات لي متفرقة بين الصلاة وشؤون المنزل، وبقية الساعات كيف أتصرف فيها؟ هناك العديد من العلوم، علم عن الله، وعلم عن رسوله صلى الله عليه وسلم، والسلف والصحابة رضي الله عنهم، وعلوم الشريعة والفقه.

أجهل كل هذا، وأجهل الكتب التي أبدأ بها، هل أهب وقتي كله للقرآن ثم يصبح لي وردٌ منه، حينها أنتقل لقراءة كتب تتحدث عن الله، ثم كتب السيرة ثم الأحكام الشرعية، أو يمكنني أن أفعل هذا في اليوم الواحد أقرأ كتاباً عن الله لسويعات ثم السيرة لسويعات، ثم كتب الفقه في سويعات، فأكون كأني أدرس حصصاً، وعدة مواد؟

أفيدوني بتقسيم جيد للوقت، وكتب تعينني في الأول، وأرجو الدعاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن ويوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

في البداية هنيئاً لك -أختي الفاضلة- هذه الهمة، والاندفاع للخير، والسعي في طلب العلم، ونسأل الله أن يُثبتك على الاستقامة والطاعات، وأن يشرح قلبك للخير، وهذا الاندفاع دليل على شغف البدايات، والرغبة في تعويض ما فات، فلا بد من أن تستغلي -أختي الفاضلة- إقبال النفس على الخير، وتجتهدي في تزويدها بالعلم النافع، وتزكيتها وتهذيبها لتستقيم لك على الخير.

أختي الفاضلة...من المهم عند طلب العلم تحقيق التوازن بين كل احتياجاتك اليومية، حتى لا تضغطي على نفسك فوق طاقتها فتفتر ثم تترك، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أدومها وإن قل)، فإعطاء كل ذي حق حقه أمر مهم.

لتنظيم الوقت - أختي الفاضلة - أنت بحاجة إلى تقسيم الوقت أولاً، وتحديد أوقات الفراغ بدقة، ثم تقسيم العلوم بين مهم وأهم وبين عاجل، ومتأخر، وبين ضيق ومتسع، وهكذا، ليسهل عليك الاستفادة بشكل أكبر.

أختي الفاضلة، عند البدء في دراسة العلوم الشرعية، لا بد أن يشرع المسلم بالأساسيات التي يحتاجها في رفع الجهل عن نفسه، وهو (ما لا يسع المسلم جهله)، كتعلم قراءة الفاتحة ونطق القراءة بشكل صحيح، وأساسيات العقيدة وأحكام الطهارة، وأساسيات الفقه المتعلقة بأحكام تتعلق بالمرأة، ونحو ذلك.

هذه الأحكام تحتاجها المرأة للقيام بواجباتها الدينية، ورفع الجهل عنها.

كذلك من المهم جداً لطالب العلم أن يضع لنفسه الأساس الذي تُبنى عليه بقية العلوم، ولا ينبغي لطالب العلم أن يتخطى بعض العلوم إلى غيرها قبل أن يتقنها ويفهمها بشكل صحيح، ومن أوائل العلوم وأهمها: القرآن، تلاوةً وحفظاً وتفسيراً وفهماً وتدبراً، وتربيةً وتزكية، فلا بد من أن تعطي لنفسك من القرآن الحظ الوافر في البداية، ثم الانتقال إلى أهم العلوم، وهو العقيدة الإسلامية، وما يتعلق بتوحيد الله تعالى وأسمائه وصفاته، ثم الانتقال إلى دراسة السيرة النبوية، وما فيها من أحداث تربوية وأخلاقية.

يمكن بعد ذلك أن تتوسعي في طلب العلم، فتضعي لنفسك برنامجاً متدرج المراحل، ومتعدد العلوم بشكل منتظم، ويكون وقت البرنامج مثلاً سنة كاملة، كل مرحلة مكونة من أربعة أشهر كالتالي:

المرحلة الأولى: الأساسيات، لمدة أربعة أشهر، والمرحلة الثانية المتوسطة، لمدة أربعة أشهر، والمرحلة الثالثة المتقدمة، لمدة أربعة أشهر، وتتكون كل مرحلة من دراسة المواد التالية: (القرآن وعلومه، العقيدة - السيرة النبوية والمغازي- الحديث - الفقه وأصوله - اللغة وأساسياتها - الأخلاق والتزكية)، بحيث تتوسعين أكثر في كل مرحلة لكتب أكثر توسعاً، وسنترك تحديد أسماء الكتب التي يفضل الابتداء بها لكل مرحلة.

يفضل لمن أراد طلب العلم أن يكون له من يوجهه ويعلمه ويرسم له خطة منهجية، ليسير بشكل صحيح، ولكي لا يتعثر في البداية، وننصحك بالتسجيل في بعض الأكاديميات الشرعية الموثوقة، المهتمة بنشر العلم الشرعي، ومنها أكاديمية زاد، وبرنامج (مُدَّكِر) وهو أحد المشاريع التابعة لمركز تفسير للدراسات القرآنية، إن كنت مهتمة بالدراسات القرآنية، وغيرها الكثير من المواقع المهتمة بالبناء الشرعي للطالب، وما عليك سوى البحث في الإنترنت والالتحاق بإحدى هذه الدورات، وبعضها تستمر الدراسة فيه لسنوات، وهذا ما ننصحك به، لأن الطالب المبتدئ لا ينصح بالدراسة وحده، لأنه لا يعرف ما هي المتون التي تدرس، وبماذا يبدأ، وهناك من بدأ هكذا ولكنه بعد فترة تعثر وتوقف، ونسأل الله لك التوفيق.

أختي الفاضلة: من المهم مع بداية طلب العلم إدراك آداب ومقاصد طلب العلم، والاجتهاد في تحقيقها، فالهدف من طلب العلم أن يصلح المسلم نفسه، ويصلح غيره، فينبغي أن تكون بداية طلبك للعلم بالأمور المهمة لنفسك أولاً، ثم لمن حولك، ثم عليك أن تفهمي مقاصد هذه العلوم، وتأثيرها الإيماني عليك، وعلى استقامتك لله تعالى، يقول تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

عليك -أختي- معرفة أهم آداب طلب العلم، ويأتي في مقدمتها، الإخلاص لله تعالى، وترك التفاخر والرياء في طلب العلم، فكل ذلك مما يمحق بركة العلم، ثم الاجتهاد والمثابرة في طلب العلم، ثم المواظبة والاستمرار بنشاط وهمة، ثم مرافقة العلماء وطلاب العلم، ومن يتشاركون معك الاهتمام بطلب العلم، وكل ذلك مما يعينك على طلب العلم، ويحقق لك الاستفادة العظيمة.

أختي الفاضلة: مسلك طلب العلم خير عظيم يسوقه الله لك، فالنبي صلى الله وسلم، يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فأخلصي النية لله تعالى، وأكثري من الدعاء والتضرع لله تعالى بأن يعينك على طلب العلم، ويحقق لك الغاية منه، وأن يثبتك على الخير والهداية.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، والإعانة في الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً