الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس الموت أتعبني وتأثرت دراستي، فهل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إلى أهل العلم ومنصتنا الجميلة، -بارك الله في علمكم-.

أنا شاب أصبت بوسواس الموت منذ وفاة زميلي في الدراسة من 5 سنوات، ويزداد الوسواس كلما كبرت، وأنا الآن في حالة لا يعلمها إلا الله، لم أشعر بطعم الحياة، وتطورت الحالة هذه السنة -السنة الأولى في الجامعة-، وتأثرت في دراستي بعدما كنت الأول، هذه السنة صعبة جداً فلم أدرس جيدًا؛ بسبب التفكير بالموت، وتغيبت عن المحاضرات بسبب مخاوف الموت، لأني أخشى الموت في الجامعة، وتغيبت عن أحد الامتحانات؛ بسبب حالتي النفسية، وفكرت في ترك بقية الامتحانات، ولكني لم أجعل هذا الشيء يسيطر علي، حفزت نفسي وقلت: الاستسلام ليس من صفاتي وبالفعل حضرت الامتحانات.

وقت الامتحان كنت أشعر داخل القاعة بالتوتر والقلق؛ بسبب وسواس الموت، انتهى العام وحصلت على تقدير جيد جدًا، وفي هذه السنة تعلمت وأصبحت إيجابيًا، ولكن عند الخروج مع صديقي تراودني أعراض الوسواس، مثل: ضيق داخلي، وتوتر، وارتفاع نبضات القلب، وأفقد المتعة، حتى هجرني لأني ممل.

أريد توجيهي وإعطائي بعض النصائح حتى أحسن الظن بالله، وأقول إن الله كتب لي عمرًا طويلًا ويجب أن لا أحزن.

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الذي لديك هو مخاوف من الموت، وهذه المخاوف ذات طابع وسواسي، أجيبت لك استشارة سابقة رقمها (2521473)، بواسطة -الأستاذ/ فيصل العشاري-، فأرجو أن تأخذ ما ذكره لك من إرشادات، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بذلك.

والوساوس يجب أن تُطرد، يجب أن يتم تجاهلها، ويجب أن يصرف الإنسان انتباهه عنها، حقيقة ما تعاني منه ليس وسواسًا صعباً؛ لأنها تحمل جانب المخاوف، وفي ذات الوقت لديك درجة بسيطة إلى متوسطة من القلق النفسي، فأول ما ننصحك به هو تحقير الفكرة وتجاهلها وعدم التفكير فيها، وتجنب تحليلها أو ربطها بأحداث حياتية أخرى، مثل وفاة زميلك -عليه رحمة الله- قبل 5 سنوات، والتي كانت الرابط الأساسي لهذه المخاوف أو الوساوس.

أخي الكريم: قضية الموت قضية محسومة تمامًا، لقوله: (إنك ميت وإنهم ميتون)، الإنسان يجب أن يكون على يقين تام بذلك، ولا أحد من البشر يعرف متى سوف ينتهي أجله، لكن هذا الأمر آتٍ ولا شك في ذلك، فاستفد من حياتك، واستمتع بها بصورة صحيحة ومشروعة، واجتهد في دراستك، وأنت -ما شاء الله- طالب طب، اجتهد حتى تكون طبيبًا متميزًا، والفكرة يجب أن تُحقر تمامًا، هنالك أيضًا تمارين نسميها بتمارين صرف الانتباه، وهي أن تأتي بالفكرة الوسواسية دون أن تتعمق فيها ودون أن تحللها، وفجأة تنقل نفسك لفكرة أخرى، فكرة تكون محبوبة إلى النفس ومفيدة وجميلة، مثلًا: فكر في يوم التخرج في كلية الطب، وهذا حقيقة يوم مشهود في حياة الطلاب.

قطعًا إن الأهل سوف يفرحون وأنت كذلك، عش هذه الصورة الذهنية في ذاك اليوم، طبعًا إذا أحسنت التدبر في الفكرة وطبقتها على أصولها؛ سوف تجد أن هذه الفكرة قد أزاحت الفكر الوسواسي، وهذا نسميه صرف الانتباه، وهكذا، التفكير قليلًا في الوسواس دون الاندماج معه أو تحليله ثم الإتيان بأي فكرة مضادة للوسواس.

التمرين الثالث نسميه بالتنفير: ومن خلال التنفير نأتي بالفكرة الوسواسية ثم يقوم الإنسان بالإتيان بأي فعل يؤدي إلى التفاعل والشعور السلبي لدى الإنسان، من التمارين البسيطة جدًا، والتي نوصي الناس بتطبيقها، هي أن تجلس أمام الطاولة وتأتي بالفكرة الوسواسية ثم تقوم في نفس الوقت بالضرب على يدك بقوة وشدة، الهدف من الربط ما بين الخوف أو الوسواس والفعل المرفوض للنفس، وهو إيقاع الألم على الذات، وعلماء السلوك وجدوا أن هنالك تنافراً ما بين الألم وما بين الفكرة الوسواسية، أو يمكن مثلًا أن تشم رائحة كريهة إذا توفر ذلك، وفي أثناء شم هذه الرائحة فكرة مباشرة في الفكرة الوسواسية، هذه تمارين ممتازة، تمارين فاعلة جدًا، وأرجو أن تستفيد منها -أخي الكريم-.

إذاً هنالك تمارين التحقير والتجاهل، تمارين صرف الانتباه، وتمارين التنفير، ويا حبذا لو كتبت مخاوفك ووساوسك في ورقة، ابدأ بأضعفها ثم انتهِ بأشدها، وحاول أن تضعها في مجموعات، لا تزدها من 5 مجموعات، وطبق التمارين كما هي، و-إن شاء الله تعالى- في ظرف 10 أيام إلى أسبوعين سوف تجد هذه المخاوف والوساوس قد انتهت تمامًا.

سيكون أيضًا من الضروري أن تتجنب الفراغ، تدير وقتك بصورة إيجابية وجيدة، وتنظم وقتك لأن هذا أحد مفاتيح النجاح، وفي ذات الوقت يجب أن تمارس الرياضة، والرياضة مهمة جدًا كعلاج ضروري لأعراض التوتر وعدم الارتياح النفسي المصاحب، نظم وقتك وتجنب السهر، لا تتناول المنبهات التي تحتوي على الكافيين، مثل: الشاي، والقهوة، والبيبسي، والكولا، تجنبها فترة المساء، لا تتناولها بعد الساعة الخامسة أو السادسة مثلًا، طبق تمارين الاسترخاء فهي تمارين مهمة وضرورية، وإسلام ويب أعدت استشارة رقمها (2136015)، يمكنك الاطلاع عليها والاستفادة منها من خلال تطبيق ما ذكر فيها، كما أنه توجد برامج أخرى توضح كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء على اليوتيوب.

أخي: سيكون أيضًا من الجميل جدًا والمفيد جدًا أن تذهب إلى أحد أطباء الطب النفسي في الكلية، سوف يساعدك كثيرًا من وجهة نظري، وطبعًا أنت تحتاج لعلاج دوائي، ويمكن للطبيب أن يكتب لك الدواء الذي يراه مناسبًا، وأنا من جانبي أرى أن أنسب دواء في حالتك هو العقار الذي يعرف باسم سيرترالين، والجرعة في حالتك تبدأ بنصف حبة -أي 25 مليجرام يوميًا- لمدة 10 أيام، ثم اجعل الجرعة 50 مليجرام يوميًا لمدة شهر، ثم ارفعها إلى حبتين -أي 100 مليجرام يوميًا- لمدة شهرين، ثم خفضها إلى 50 مليجرام يوميًا لمدة شهرين، ثم 25 مليجرام -أي نصف حبة يوميًا- لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناوله، هذا الدواء مفيد جدًا وغير إدماني وفاعل جدًا، أسأل الله تعالى أن ينفعك به، كما يمكنك أن تستعمل أي دواء آخر يصفه لك الطبيب.

وللفائدة راجع الاستشارات المرتبطة: (2181620 - 2250245 - 2353544 - 2499854).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً