الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قررت ترك الجامعة والابتعاث بعد ما أصابني من إحباط، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا في الـ 22 من العمر، تخرجت من الثانوية قبل أربع سنوات من المسار العلمي بمعدل عال فتح لي جميع أبواب الجامعات بجميع تخصصاتها، وكذلك الابتعاث الخارجي، طلبت من أهلي أن أقدم على الجامعة بعد سنة حتى أحدد التخصص المناسب لي، لكن رفضوا بحجة تضييع عام من عمري، وبعد إصرارهم قدمت على إحدى الجامعات وأنهيت الفصل الأول بامتياز بمعدل 4.8 من 5، وبالفصل الثاني بدأنا بتحديد التخصصات وبدأ معدلي بالنزول! فلا أدري ماذا أختار!

أنهيت العام الأول بمعدل 4.5، وبدأت بدراسة إدارة الأعمال والاقتصاد حتى أنهيت 5 مستويات بالجامعة بمعدل 3.99، لم أرسب بأي مادة لكن كنت أنجح بمقبول، وأحذف المواد؛ لأني لا أرضى بالرسوب، وبعد أن قضيت 3 سنوات بين البكاء والكسل وتمني أن الاجازات تكون أطول قررت ترك الجامعة وسحب ملفي، ولأنه آخر فرصة لي للابتعاث بشهادتي الثانوية قررت التقديم عليه، والآن لي ثمانية أشهر أدرس اللغة ولازلت أشعر بالكسل والخمول والخوف، وعدم الثقة بنفسي في قاعات الدراسة عكس ما كنت عليه أيام الثانوية، الآن أنا الأسوأ بالفصل، وأستاذي في اللغة أخبرني بأني يجب أن أدفع نفسي للأمام، فهو يرى فيني القدرة على التطور، فلغتي تطورت بالمحادثة، لكن القراءة والكتابة جدا سيئة!

أشعر بالضيق وأتمنى أحيانا أني لم أخلق، وكأن الدراسة قيد أريد التحرر منه، فليس لدي الرغبة فيها بتاتا، ولا أريد بذل مجهود حتى، ودائما فكري مشتت وكثيرة السرحان، التخصص الذي قدمت عليه ليس من مجال اهتمامي، أصلا لا أعلم ما هي اهتماماتي لكنه أفضل من الاقتصاد، ووقعت عقدًا مع إحدى الوزارات إذا تخرجت بالمعدل المطلوب من هذا المجال (علاج النطق والتخاطب) أن أحصل على وظيفة لديهم.

أريد أن أضيف شيئًا، أنا فاشلة دراسيا صحيح لكني جيدة بعلاقتي مع الآخرين، فأنا أرى المحبة والاحترام من الجميع، وكثيراً ما يخبروني بأني مختلفة، ويعبرون لي عن محبتهم بشكل صريح، كذلك السيدة التي أعيش معها الآن بالغربة قالت لي ذلك، وأخبرتني بأنها تنبهر من طريقة فهمي للأمور، وقالت أيضا أني أحيانا أغبطك لأنك فهمتِ الحياة بوقت مبكر وتعلمتِ أشياء لم أتعلمها إلا بعد أن أصبحت بالخمسين.

أريد التوجيه، أول مرة أستشير أحدا، ولا خاب من استشار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غيداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله الكريم أن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت عنه فإن العرب تقول: ثبت العرش ثم انقش، ولأننا نريد ابتداء أن نثبت العرش، فيجب علينا أن نضع القواعد التي لا يختلف عليها اثنان في أمرك، وهي كالآتي:

- أنت فتاة ذكية.
- متفوقة.
- الأصل عندك الجد والاجتهاد.
- خلوقة.
- اجتماعية وعلاقاتك بالغير محل تقدير منهم يصل إلى حد الانبهار.

هذه الصفات هي موجودة فيك كأصل وليس عرض.

نأتي بعد ذلك إلى تقييم الحال بطريقة لا تعرف التهويل ولا التهوين، فإن آفتنا أن نهون الكبير أو نهول الصغير، وهذا للأسف ما وقعت فيه أختنا، وما نراه السبب الرئيس في الخروج عن القاعدة التي أصلناها (أشعر بالضيق وأتمنى أحيانا أني لم أخلق، وكأن الدراسة قيد أريد التحرر منه)، هذا كلامك والأمر أهون من هذا بكثير، دعينا -أيتها الفضالة- نقيم الحال على ما هو عليه:

1- مستواك في اللغة بدأ يتحسن نطقا ولا زالت مشكلة الكتابة (المدة لم تتجاوز السنة، وهذا تقدم كبير لمن يفهم تعلم اللغات الغريبة عن الشخص).
2- المعدل المتدني لم يصل إلى الرسوب (وهذا مؤشر جيد إذا وضعنا في حسبانا الاغتراب واللغة الجديد والتخصص غير المحبب).
3- أستاذك لم يصل إلى نتيجتك التي وضعتيها (الفشل)، بل أخبرك أن الاستعداد عندك قوي وهذا ما نوافقه عليه.
4- التخصص الذي تريدين اجتيازه مجال عمله مفتوح، بل قد وعدت بذلك، وهذه نقطة إيجابية كبيرة جدا، ويمكنك أن تسألي آلاف الشباب الذين تخرجوا بلا عمل ولا إشارة إلى وجوده في القريب العاجل.
5- وجود كسل، وعدم ثقة بالنفس، وشعور بالإحباط.

هذا هو التقييم.

الآن نسألك هل المشكلة فيك كشخص أم في تصورك لواقع لست عليه؟

أنت متميزة -أختنا الكريمة-، كل ما تحتاجين إليه ما يلي:

1- ارتباط بالله -عز وجل-، واحتماء به، فإن سر الاطمئنان في ذكره وعبادته (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ولا شك -أختنا- أن البعض يتهاون حين يكون غريبا عن دياره في بعض الأوامر والنواهي الشرعية، مما يؤدي إلى حالة من حالات الصد والكدر وضيق الصدر، لذا ندعوك -أختنا- إلى مراجعة حياتك ووضعها في الإطار الشرعي التديني لها، وأن تخصصي وقتا لقراءة القرآن وذكر الله، فإن القلوب تحتاج إلى مثل هذا الهدوء النفسي.

2- خطة عاجلة تكتبيها أنت، ترصدين فيها الواقع كما رصدنا من غير تهوين ولا تهويل، وتبدئين بوضع خطة كلية عامة سنوية يندرج تحتها خطط شهرية فأسبوعية فيومية، لا بد من ذلك -أختنا- حتى تستشعري أن كل ساعة من وقتك لها ثمن، وكل يوم يمر عليك تتقدمين إلى الإمام.

3- مادة القراءة والكتابة تحتاج منك إلى جهد مضاعف، ونحن ندعوك إلى قراءة بعض الكتب الدينية المكتوبة باللغة التي تعيشين بها، ومحاكاة تلك الكتب بكتابة صفحة يوميا على مدار شهر تتحدثين فيها عن أخلاق الإسلام، وكلما كتبت صفحة راجعيها جيدا، ثم إذا انتهى الشهر أعيدي القراءة من البداية مرة أخرى، وستجدين نقلة هائلة في مدة قصيرة -بإذن الله-.

- أختنا الكريمة: قديما قالوا (إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون) كرري هذا المثل، وترجميه إلى لغتك الجديدة، واجعليه أمامك، فما يدريك لعل هذا التخصص هو الخير لك وأنت لا تشعرين، أبدأي بهمة ثانية، وعزم ثابت، ونحن هنا إخوانك راسلينا في أي وقت، ونحن على ثقة من نجاحك بل ومن تفوقك، فأسلوب كتابتك مع صغر سنك يدل على نبوغك.

وفقك الله الكريم، وأعانك وثبتك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً