الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانتحار لا يحل المشاكل بل هو انتقال من شقاء الدنيا إلى شقاء أعظم في الآخرة

السؤال

عمري 23 سنة، أعاني من السحر والحالة النفسية السيئة، كنت مخطوبة وبعد سنة ونصف من الخطبة اعترض والد خطيبي على خطبتي بتحريض من زوجته وأولادها ـ زوجة والد خطيبي ـ وأم زوجة ابنه علاء مع أن خطيبي كان يحبني جداً، ورغم اعتراض والده كان مصمما أن يتم الزواج بيننا، لكنه تركني واعترف لي منذ فترة بأن الشيء الذي حصل كان رغماً عنه حيث إن أم زوجة أخيه علاء وأولادها خدعوه وقالوا له بأنهم يعرفون شيخاً سيكتب له حجابا سيجمعنا مع بعض خلال أسبوع، وبالفعل ذهب معهم إلى الشيخ وأعطاه الشيخ ماء كان قد قرأ عليه فشربه وأعطاه ورقتين، وطلب منه أن يحرق واحدة ويدفنها خلف منزلهم، والثانية يعلقها في شجرة قرب منزلهم، وبعد أن فعل ذلك شعر بصداع شديد وكره لي ولأهلي وحب لهؤلاء الناس ولابنتهم التي خطبها ولكن لم يتم النصيب، ومنذ ذلك الوقت أعاني من حالة نفسية سيئة وصداع وضيق وخمول وكثرة الشرود، وخاصة عندما أصلي أو أقرأ في المصحف وكثرة النسيان والأرق والتعب حتى وأنا نائمة، وألم حاد في أسفل ظهري وأرجلي، وأحياناً تظهر لي في أرجلي بقع وكدمات زرقاء مؤلمة، وأصبحت عصبية جداً وأثور لأتفه الأسباب، وأكره الاختلاط بالناس وأحب الاعتزال والجلوس وحدي والبكاء حتى تتورم عيناي، ومن يتقدم لي حاليا ليخطبني أرفضه وأنفر من فكرة الزواج بغير خطيبي حتى إن ذلك كان سبب فشلي في دراستي في كلية الشريعية الإسلامية، وأشعر باليأس من حالتي، وفقدت الإحساس بالحياة خاصة بعد أن فقدت خطيبي لدرجة أنني أفكر أحيانا في الانتحار، لكن خوفي من الله يردعني عن ذلك، وفقكم الله وجزاكم خيراً على هذا الموقع الرائع.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعافيك وينجيك من هذا الحال الذي أنت فيه، وأن يعفك ويطهر قلبك، وأن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، وأن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك، وتسعد به نفسك، واعلمي أن أمر الزواج وغيره مما يعرض للمرء هو من قضاء الله وقدره، وإذا اطمأن المؤمن إلى تلك الحقيقة فستهون عليه جميع الأمور، فلا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما أوتي، فإن الله تعالى قدر المقادير ودبر أمور خلقه قبل أن يخلق الخلق، والمؤمن ما عليه إلا أن يرضى بما قدره الله وقضاه، ويشرع له أن يحرص على ما ينفعه، ولكنه إن فاته ولم يقدر له لم يحزن عليه، فقد قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. {الحديد23-22}

وأنجح وسيلة لحل مشكلتك هي الإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، فأكثري سؤال الله أن يعينك على العفة ويطهر قلبك، وتوجهي إلى ربك بالدعاء، فهو القائل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}. وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم أني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. واحرصي على الاستفادة من الدعاء آخر الليل فهو مظنة للإجابة، لما في حديث مسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول من يسألني فأعطيه.

وإذا دعا المسلم ربه فعليه أن يكون عالي الهمة في الدعاء، فالرجال الخيرون كثير، فعلى المسلمة أن تسأل الله أن يرزقها زوجا صالحا يعينها على صلاح دينها ودنياها، ولا تعلق قلبها بشخص معين يخشى أن يكون مسحورا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه. رواه ابن حبان وصححه الألباني.

فواصلي الدعاء بأن يحقق الله لك الزواج بمن يرتضى خلقه ودينه ولا تملي، وأيقني أن الله لا يضيع دعاءك، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول ما الاستعجال؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر ويدع الدعاء.

فلا تيأسي من رحمة الله وعونه، فربما يختار لك من هو أصلح من هذا الرجل، واعلمي أن عرض المرأة تزويج نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه، أو فضله أو علمه أو غير ذلك من الأغراض المحمودة جائز شرعا ولا غضاضة فيه، فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس ـ رضي الله عنه ـ وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها.

وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم عرضها بعده على أبي بكر رضي الله عنه، وذلك حين تأيمت من خنيس ين حذافة السهمي رضي الله عنه. وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ {القصص: 27}.

وأما الانتحار: فذلك هو الداء العضال، وليس فيه حل لمشكلة أو نيل لراحة، بل فيه انتقال من شقاء الدنيا إلى الشقاء الأعظم في الآخرة، وفيه خسران الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني