الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5969 ) فصل : فإن حلف لا يكلم إنسانا ، فكلمه بحيث يسمع ، فلم يسمع لتشاغله أو غفلته ، حنث ; لأنه كلمه ، وإنما لم يسمع لغفلته ، أو شغل قلبه . وإن كلمه ، ولم يعرفه ; فإن كانت يمينه بالطلاق ، حنث . قال أحمد ، في رجل حلف بالطلاق ، أن لا يكلم حماته ، فرآها بالليل ، فقال : من هذا ؟ : حنث ، قد كلمها . وإن كانت يمينه بالله تعالى ، أو يمينا مكفرة ، فالصحيح أنه لا يحنث ; لأنه لم يقصد تكليمه ، فأشبه الناسي ، ولأنه ظن المحلوف عليه غيره ، فأشبه لغو اليمين . وإن سلم عليه ، حنث ; لأنه كلمه بالسلام .

                                                                                                                                            وإن سلم على جماعة هو فيهم ، وأراد جميعهم بالسلام ، حنث ; لأنه كلمهم كلهم ، وإن قصد بالسلام من عداه ، لم يحنث ; لأنه إنما كلم غيره وهو يسمع ، وإن لم يعلم أنه فيهم ، ففيه روايتان ; إحداهما : يحنث ; لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم . والثانية ، لا يحنث ; لأنه لم يقصده . ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق ; لأنه لا يعذر فيهما بالنسيان والجهل ، في الصحيح من المذهب ، وعدم الحنث على اليمين المكفرة . فإن كان الحالف إماما ، والمحلوف عليه مأموما ، لم يحنث بتسليم الصلاة ; لأنه للخروج منها ، إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم في غير الصلاة . ويحتمل أن لا يحنث بحال ; لأن هذا لا يعد تكليما ، ولا يريده الحالف .

                                                                                                                                            وإن حلف لا يكلم فلانا ، فكلم إنسانا ، وفلانا يسمع ، يقصد بذلك إسماعه ، كما قال :

                                                                                                                                            إياك أعني واسمعي يا جاره

                                                                                                                                            حنث نص . عليه أحمد ، قال : إذا حلف لا يكلم فلانا ، فكلم إنسانا ، وفلان يسمع ، يريد بكلامه إياه المحلوف عليه ، حنث ; لأنه قد أراد تكليمه . وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث ، فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيادا ، فعزم زياد على الحج ، فجاء أبو بكرة فدخل قصره ، وأخذ ابنه في حجره ، فقال : إن أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السبب ، وقد علم أنه غير صحيح . ثم خرج ، ولم ير أنه كلمه . والأول الصحيح ; لأنه أسمعه كلامه يريده به ، فأشبه ما لو خاطبه به ، ولأن به مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية