الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما

            أول من بايع الحسن رضي الله عنه بالخلافة

            قد ذكرنا أن عليا ، رضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم قالوا له : استخلف يا أمير المؤمنين . فقال : لا ، ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله صلى الله عنه وسلم - يعني بغير استخلاف - فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم ، كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفي وصلى عليه ابنه الحسن ، لأنه أكبر بنيه ، رضي الله عنهم ، ودفن كما ذكرنا بدار الإمارة بالكوفة ، على الصحيح من أقوال الناس ، فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، قيس بن سعد بن عبادة ، فقال له : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه . فسكت الحسن ، فبايعه ثم بايعه الناس بعده ، وكان ذلك يوم مات علي ، وكان موته يوم ضرب ، على قول ، وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، وقيل : إنما مات بعد الطعنة بيومين . وقيل : مات في العشر الأخير من رمضان ، ومن يومئذ ولي الحسن ابنه .

            خروج الحسن لحرب معاوية رضي الله عنهما

            وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان تحت يده أربعون ألف مقاتل قد بايعوا عليا على الموت ، فلما مات علي ألح قيس بن سعد على الحسن في النفير لقتال أهل الشام فعزل قيسا عن إمرة أذربيجان ، وولى عبيد الله بن عباس عليها ، ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحدا ، ولكن غلبوه على رأيه ، فاجتمعوا اجتماعا عظيما لم يسمع بمثله ، فأمر الحسن بن علي قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفا بين يديه ، وسار هو بالجيوش في إثره قاصدا بلاد الشام ليقاتل معاوية وأهل الشام فلما اجتاز بالمدائن نزلها وقدم المقدمة بين يديه ، فبينما هو في المدائن معسكر بظاهرها ، إذ صرخ في الناس صارخ : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل . فثار الناس فانتهب بعضهم بعضا ، حتى انتهبوا سرادق الحسن . حتى نازعوه بساطا كان جالسا عليه ، وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أشوته ، فكرههم الحسن كراهية شديدة ، ثم ركب فدخل القصر الأبيض من المدائن فنزله وهو جريح ، وكان عامله على المدائن سعد بن مسعود الثقفي ، أخو أبي عبيد صاحب يوم الجسر ، فلما استقر الحسن بالقصر قال المختار بن أبى عبيد ، قبحه الله ، لعمه سعد بن مسعود : هل لك في الشرف والغنى ؟ قال : وما ذا ؟ قال : تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعث به إلى معاوية . فقال له عمه : قبحك الله وقبح ما جئت به ! أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !

            الصلح بين معاوية والحسن رضي الله عنهما

            ولما رأى الحسن بن علي تفرق جيشه عليه مقتهم ، وكتب عند ذلك إلى معاوية - وكان قد ركب في أهل الشام فنزل مسكن - يراوضه على الصلح بينهما فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة ، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الأموال ، فاشترط أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف درهم ، وأن يكون خراج دارابجرد له ، وأن لا يسب علي وهو يسمع ، فإذا فعل ذلك نزل عن الإمرة لمعاوية ، ويحقن الدماء بين المسلمين . فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية وقد لام الحسين أخاه الحسن على هذا الرأي ، فلم يقبل منه ، والصواب مع الحسن ، رضي الله عنه .

            مبايعة قيس لمعاوية رضي الله عنهما

            ثم بعث الحسن بن علي إلى أمير المقدمة قيس بن سعد أن يسمع ويطيع لمعاوية ، فأبى قيس من قبول ذلك ، وخرج عن طاعتهما جميعا ، واعتزل بمن أطاعه ، ثم راجع الأمر فبايع معاوية بعد أيام قريبة ، كما سنذكره . ثم المشهور أن مبايعة الحسن لمعاوية كانت في سنة أربعين ، ولهذا يقال له : عام الجماعة . لاجتماع الكلمة فيه على معاوية ، والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين .

            إقامة الحسن في المدينة

            ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها.

            وأخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال: (قلت للحسن: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة؟ فقال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز).

            التالي السابق


            الخدمات العلمية