الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص روي عن الحسن أن مشركي العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام ؟ قال : نعم وأراد المشركون أن يغيروه في الشهر الحرام فيقاتلوه ، فأنزل الله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص يعني إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم مثله .

وروى ابن عباس والربيع بن أنس وقتادة والضحاك : أن قريشا لما ردت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام في الشهر الحرام ، فأدخله الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة ، فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه وبينه في يوم الحديبية . ويمتنع أن يكون المراد الأمرين ، فيكون إخبارا بما أقصه الله من الشهر الحرام الذي صده المشركون عن البيت بشهر مثله في العام القابل . وقد تضمن مع ذلك إباحة القتال في الشهر الحرام إذا قاتلهم المشركون ؛ لأن لفظا واحدا لا يكون خبرا وأمرا ، ومتى حصل على أحد المعنيين انتفى الآخر . إلا أنه جائز أن يكون إخبارا بما عوض الله نبيه من فوات العمرة في الشهر الحرام الذي صده المشركون عن البيت شهرا مثله في العام القابل ، وكانت حرمة الشهر الذي أبدل كحرمة الشهر الذي فات ؛ فلذلك قال : والحرمات قصاص ثم عقب تعالى ذلك بقوله : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فأفاد أنهم إذا قاتلوهم في الشهر الحرام فعليهم أن يقاتلوهم فيه وإن لم يجز لهم أن يبتدئوهم بالقتال . وسمى الجزاء اعتداء لأنه مثله في الجنس وقدر الاستحقاق على ما يوجبه فسمي باسمه على وجه المجاز ؛ لأن المعتدي في الحقيقة هو الظالم .

التالي السابق


الخدمات العلمية