الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله يوجب فرض قتال الكفار حتى يتركوا الكفر قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع بن أنس : " الفتنة هاهنا الشرك " . وقيل : إنما سمي الكفر فتنة ؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك كما يؤدي إليه الفتنة . وقيل : إن الفتنة هي الاختبار ، والكفر عند الاختبار إظهار الفساد ، وأما الدين فهو الانقياد لله بالطاعة ، وأصله في اللغة ينقسم إلى معنيين : أحدهما : الانقياد ، كقول الأعشى :

هو دان الرباب إذكر هو الدين دراكا بغزوة وصيال     ثم دانت بعد الرباب وكانت
كعذاب عقوبة الأقوال

والآخر : العادة ، من قول الشاعر :

تقول وقد درأت لها وضيني     أهذا دينه أبدا وديني

والدين الشرعي هو الانقياد لله عز وجل والاستسلام له على وجه المداومة والعادة .

وهذه الآية خاصة في المشركين دون أهل الكتاب ؛ لأن ابتداء الخطاب جرى بذكرهم [ ص: 325 ] في قوله عز وجل : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم وذلك صفة مشركي أهل مكة الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلم يدخل أهل الكتاب في هذا الحكم ؛ وهذا يدل على أن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، لقوله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة يعني كفرا ويكون الدين لله ودين الله هو الإسلام ؛ لقوله : إن الدين عند الله الإسلام وقوله : فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين المعنى : فلا قتل إلا على الظالمين . يعني والله أعلم : القتل المبدوء بذكره في قوله : وقاتلوهم وسمى القتل الذي يستحقونه بكفرهم عدوانا ؛ لأنه جزاء الظلم فسمي باسمه ، كقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وإن لم يكن الجزاء اعتداء ولا سيئة .

التالي السابق


الخدمات العلمية