الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4646 باب النهي عن التجسس ، والتنافس ، والظن

                                                                                                                              وقال النووي : (باب تحريم الظن ، والتجسس ، والتنافس ، والتناجش ، ونحوها) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص118 ،119 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "إياكم والظن ! فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا" ) .

                                                                                                                              [ ص: 146 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 146 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : إياكم والظن !) أي : اجتنبوه ، فلا تتهموا أحدا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها .

                                                                                                                              (فإن الظن أكذب الحديث) . فلا تحكموا بما يقع منه ، كما يحكم بنفس العلم . لأن أوائل الظنون خواطر لا يملك دفعها . والمرء إنما يكلف بما يقدر عليه ، دون ما لا يملكه . واستشكل تسمية الظن : "كذبا" . فإن الكذب من صفات الأقوال .

                                                                                                                              وأجيب بأن المراد : "عدم مطابقة الواقع" ، سواء كان قولا أو فعلا .

                                                                                                                              أو المراد : ما ينشأ عن الظن ، فوصف الظن به مجازا . وقال النووي : المراد : النهي عن ظن السوء . قال الخطابي : هو تحقيق الظن وتصديقه ، دون ما يهجس في النفس . فإن ذلك لا يملك .

                                                                                                                              قال : ومراد الخطابي : أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ، ويستقر في قلبه ، دون ما يعرض في القلب ولا يستقر . فإن هذا لا يكلف به ، كما في حديث : "تجاوز الله عما تحدثت به الأمة ، ما لم تتكلم أو تعمد" .

                                                                                                                              [ ص: 147 ] وعن سفيان أنه قال : الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به . فإن لم يتكلم لم يأثم .

                                                                                                                              قال : وقال بعضهم : يحتمل أن المراد : الحكم في الشرع بظن مجرد من غير بناء على أصل ، ولا نظر واستدلال . قال النووي : وهذا ضعيف أو باطل . والصواب : الأول . قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم .

                                                                                                                              (ولا تحسسوا) : بالحاء المهملة .

                                                                                                                              (ولا تجسسوا) : بالجيم .

                                                                                                                              قال الحربي : معناهما واحد . وهو تطلب الأخبار الغائبة والأحوال . فالثاني للتأكيد ، كما قاله ابن الأنباري .

                                                                                                                              وقال الحافظ أبو ذر "بالحاء" : الطالب لنفسه . وبه قال ثعلب .

                                                                                                                              "وبالجيم" : لغيره .

                                                                                                                              وقيل "بالجيم" : البحث عن عورات الناس . و"بالحاء" : استماع حديثهم .

                                                                                                                              وقيل "بالجيم" : البحث عن بواطن الأمور . وبالحاء" : البحث عما يدرك بحاسة العين ، أو الأذن .

                                                                                                                              وقيل "بالجيم" : الذي يعرف الخبر بتلطف . ومنه "الجاسوس" . و"بالحاء" : الذي يطلب الشيء بحاسته ، كاستراق السمع ، وإبصار الشيء خفية .

                                                                                                                              [ ص: 148 ] نعم . لو تعين التجسس طريقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك ، أو منع من زنا ، ونحوهما : شرع كما لا يخفى .

                                                                                                                              قال النووي : "الجاسوس" : صاحب سر الشر . و"الناموس" : صاحب سر الخير .

                                                                                                                              وقد فهم من الآية السابقة ، وهذا الحديث : الأمر بصون عرض المسلم ، غاية الصيانة ، لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن .

                                                                                                                              فإن قال الظان : أبحث لأتحقق ، قيل له : ولا تجسسوا . فإن قال : تحققته من غير تجسس . قيل : ولا يغتب بعضكم بعضا .

                                                                                                                              (ولا تنافسوا) : "المنافسة ، والتنافس" معناهما : الرغبة في الشيء ، وفي الانفراد به . "ونافسته منافسة" : إذا رغبت فيما رغب فيه .

                                                                                                                              وقيل معناه : التباري في الرغبة في الدنيا ، وأسبابها ، وحظوظها .

                                                                                                                              (ولا تحاسدوا) . وفيه : النهي عن الحسد .

                                                                                                                              و"الحاسد" : جاحد ، لأنه لا يرضى بقضاء الواحد .

                                                                                                                              فالعجب من عاقل : يسخط ربه بحسد يضره في دينه ودنياه بلا فائدة . بل ربما يريد الحاسد : زوال نعمة المحسود ، فتزول عن الحاسد . فيزداد المحسود نعمة إلى نعمته ، والحاسد شقاوة على شقاوته . قال تعالى : ومن شر حاسد إذا حسد .

                                                                                                                              وقال بعض العلماء : لله در الحسد : ما أعدله ! بدأ بصاحبه ، فقتله .

                                                                                                                              [ ص: 149 ] (ولا تباغضوا) أي : لا تتعاطوا أسباب البغض .

                                                                                                                              (ولا تدابروا) قيل معناه : لا يستأثر أحدكم على الآخر ، لأن المستأثر يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر .

                                                                                                                              قال مالك في موطئه : لا أحسب "التدابر" إلا الإعراض عن السلام ؛ يدبر عنه بوجهه .

                                                                                                                              (وكونوا عباد الله إخوانا) . يجوز أن يكون "إخوانا" خبرا بعد خبر ، أو بدلا ، أو هو الخبر ، وعباد الله منصوب على الاختصاص بالنداء ، وهذا الوجه أوقع .




                                                                                                                              الخدمات العلمية