الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال موسى بن عقبة: ولما فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل منهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فارجعوا إلى قومكم، فيؤمنوكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فإنهم داخلوا البيوت، وقال رجل منهم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا، وقال آخرون: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم، وعلى ما كان عليه نبيكم، حتى تلقوا الله عز وجل شهداء؟ منهم: أنس بن مالك بن النضر، شهد له بها سعد بن معاذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: كذا وقع في هذا الخبر أنس بن مالك بن النضر، وإنما هو أنس بن النضر، عم أنس بن مالك بن النضر.

رجع إلى خبر ابن سعد: وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يزول يرمي عن قوسه، حتى صارت شظايا، ويرمي بالحجر، وثبت معه عصابة من أصحابه، أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين، فيهم أبو بكر الصديق، وسبعة من الأنصار حتى تحاجزوا.

وروى البخاري: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا، وعن أبي طلحة:

غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه، وأصيبت رباعيته وشج في وجهه، وكلمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. [ ص: 21 ]

قال ابن إسحاق: فحدثني حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشج وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم" ، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) .

قال ابن هشام: وذكر لي ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري; أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في وجهه ، وأن ابن قمئة جرح وجنته، فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر، ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما، ومص مالك بن سنان أبو سعيد الخدري الدم من وجهه، ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مس دمي دمه لم تصبه النار" .

وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبد الله" .

وعن عيسى بن طلحة، عن عائشة ، عن أبي بكر الصديق; أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت ثنيته، ثم نزع الأخرى، فسقطت ثنيته الأخرى، فكان ساقط الثنيتين.

وروينا عن ابن عائذ قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه في وجهه، قال: لما رماه فأصابه: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" : أقمأك الله عز وجل" ، قال ابن جابر: انصرف ابن [ ص: 22 ] قمئة من ذلك اليوم إلى أهله، فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل، فأخذ فيها يعترضها، ويشد عليه تيسها، فنطحه نطحة أرداه من شاهقة الجبل فتقطع.

قال ابن إسحاق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم: "من رجل يشتري لنا نفسه؟" كما حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن عمرو، قال: فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار، وبعض الناس يقول: إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، رجلا، يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زياد أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدنوه مني" فأدنوه منه، فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن هشام: [وقاتلت] أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد، فذكر سعيد بن أبي يزيد الأنصاري; أن أم سعيد ابنة سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة فقلت: يا خالة أخبريني خبرك؟ فقالت: خرجت أول النهار، وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراحة إلي، فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور، فقلت: من أصابك بهذا؟ قالت ابن قمئة، أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربني هذه الضربة، ولكن ضربته ضربات على ذلك، ولكن عدو الله كان عليه درعان.

التالي السابق


الخدمات العلمية